ما دخلت قاعة الإمتحان يوماً إلا وكان “وضعي مقلقز” حسب وصف إستاذي، لا لقلة الدراسة، بل من فرطها أحياناً، لا أذكر اني وعلى غرار اقراني في الصف إلتهمت كتاب التاريخ ولا إبتلعت الجفرافيا، ولا مزقت كتاب اللغة الإنكليزية من شدة تقليب الصفحات، إلا انني غالباً ما كنت أتفوق عليهم، فكتب التاريخ والجغرافيا واللغات تسكن دماغي في الإسبوع الذي يسبق الدخول الى المدرسة، من الغلاف الى الغلاف، حباً بالمطالعة في معظم الأوقات. فما السبب إذن؟ السبب كان دوماً مادة الحساب، كوني ما إستسغت الأرقام أبداً، ولا إستطعت التآلف معها، لا على اليد، ولا على الورقة ولا حتى على الآلة الحاسبة، عبثاً حاولت، والنتيجة ذاتها، مهما تمرنت وتمرست في حل المسائل، ومهما تمترست وراء خنادق القواعد والمعادلات، تبقى العقدة في تلك المادة اللئيمة التي لطالما كانت معلمتها مثالاً للرعب يدب في النفوس، مهما تفوقت في باقي المواد إلا أنني كنت احرم من النتائج المتميزة بفعل النتائج المزرية في الرياضيات…
صراحة وللأمانة اني لست الوحيد الذي يعاني من ضعف في البصيرة الحسابية، وسوء التقدير الرياضي، بل هناك الكثير من الناس ممن يعانون من هذه المشكلة، وبشكل اكثر كارثية، ويدخلون أنفسهم في حسابات ضيقة “على قدهم”، ولا يفقهون ان للأرقام تكملة بعد الرقم ثمانية!
من هؤلاء الناس، صديقنا الجنرال ميشال عون شخصياً، وكيف لا؟ اليس هو صاحب العملية الحسابية البائسة التي إحتسب بموجبها النسبة المئوية لمؤيديه 70 % من المسيحيين اللبنانيين؟ بل وتعداها الى عمليات وأرقام أخرى ليتفتق عقله الآينشتايني على إحتساب حقة بثلث معطل، ورفض النصف زائداً واحد؟
وللأمانة، فالرجل لا ينفك يطرح ويقسم ويضرب على راحته مخترعاً قواعد جديدة، وبعملية حسابية إنتخابية الطابع، ضيقة الحسابات، خبيثة المغزى نرى جنرال الـ 70% يوطد علاقاته ويتبختر في سوريا 13 تشرين ويلتقي أسد الممانعة صاحب الأرقام الخيالية التي فاقت الـ99،99%، طبعاً هذا خطأ حسابي جديد يقع فيه الجنرال، وإن ليس بالأرقام، لكنه سيرتد عليه بالتأكيد أرقاماً إنتخابية هائلة ستصب في صندوق الخيارات الآخرى المتمثلة بقوى 14 آذار وغيرهم من المستقلين والمرشحين المنفردين ممن يحسبونها جيداً، فلا تبدأ “الله يخليك” بحساب عدد المقترعين البرتقاليين المفترضين الذين سيقترعون لك بالليمون أو ربما بالدم إن علمك بشار كيف تفعلها…
ليت أستاذي لا يزال على قيد الحياة، ليشد الجنرال من أذنه، ويخبره انه قد رسب في الإمتحان الأخير، لأنه لم يدرس الوضع كفاية، ليته “يفقعه مسطرتين” ويخبره ان “وضعه تقلقز” نتيجة لمغامراته ومقامراته، لا أدري كيف سيستطيع الرجل النظر في عيون أهالي أكثر من 13،000 لبناني مفقود، و أكثر من 1000 شهيد سقطوا في حروبه التحريرية والإلغائية، وأكثر من 26 عائلة إنتشلت جثث أبناءها من ملعب وزارة الدفاع، ودموع ما يتجاوز 4000 أم بكت على صوت السوط ينهال على جسد إبنها في أقبية عنجر، ودماء أكثر من 199 شهيداً للجيش اللبناني سقطوا في معركة الدفاع عن الوطن ضد فتح الإسلام صنيعة نظام البعث السوري البائت.
جنرال، هناك المزيد والمزيد من الأرقام، لن أضيفها حتى لا تضيع مني العملية الحسابية، ما سبق وحده مجموعه 18199 جثة، وقلباً، وروحاً في ذمتك، كلها أمل أن لا يأتي يحل ربيع آذار 2009 إلا وفي صناديق الإقتراع ملايين من الأوراق كلها شهادات رسوب بحقك، تحمل صفراً مدوراً مكوراً كالبرتقالة.
عماد بزي
اترك تعليقاً