عن باب "الحمرا" و السفارة في العمارة

قاتل الله التلفاز “كما كان يقول جدي”، فيصفه بأنه شاغل البال، وصانع البلبال، ولولاه لكان العالم بأفضل حال. كان جدي يخاف من تأثير التلفاز على عقولنا نحن الصغار، فينهرنا لإلتصاقنا بالشاشة، ويعلل السبب بأن كثرة مشاهد الدم واللعب واللهو والملذات على شاشته ستكون سبباً في إنهيار أخلاقياتنا، وتعليمنا حيل وفن الكذب لنصبح رجال آليين نمشي مسيرين غير مخيرين.

لا أنكر لجدي انه كان على حق في جزء مما قاله، فالتلفاز غالباً ما يسيطر على عقول البعض فيخيل لهم انهم أبطال أسطوريين لو جعلوا يدهم على رقبة عنترة إبن شداد لكسروها.

ولا أنكر ان التلفاز نمّى لدي ولدينا جميعاً شيء من المخيلة الواسعة، فاللبنانيين باتوا يتسمرون امام شاشات التلفزة وكأنهم في حضرة معجزة، خصوصاً امام بعض من الأفلام والمسلسلات الشعبية.

ومن منكم قد فاتته الموجة الشعبية العارمة للمسلسل السوري باب الحارة، فليسمع، قصة المسلسل تعود الى أيام الإنتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، يومها كان للشارب إحترام، وللكبير هيبة، وللحق الف سلاح. و “للعكيد” قائد الحارة حارس شرفها العربي الأصيل نظرة ثاقبة عينا صقر تدب الرعب في نفوس الخارجين عن سلطانه.

ومن منا لم يضحك ملء القلب لرؤية الممثل المصري عادل إمام، خاصة في فيلمه “السفارة في العمارة”؟ الذي يحكي بقالب هزلي عن شخص عاد ليجد صدفة ان السفارة الإسرائيلية تجاوره في منزله.

والى هزليات زماننا أيضاً ، ولكن بالتأكيد ليس من محض الصدفه هذه المرة ، ان تختار الحمرا مقراً للسفارة السورية. فإنتقاء تلك البقعة بالذات التي باتت تسمى “بالبقعة المطهرة” ما بعد السابع من ايار لابد وان يندرج في سياق التحدي والإستهزاء بمشاعر اهالي وسكان بيروت.

تلك البقعة المطهرة كما يسميها أشاوسها الجدد محروسة أمنياً، طبعاً، وكيف لا؟ الم نرى بأم العين كيف سالت دماء “اليهودي” عمر حرقوص على أرضها في وضح النهار على يد ثلة من أبناء “العكيد” و “زعيم” الممانعة العربية.

غداً يدخل السفير السوري الى سفارة بلاده في لبنان، آملاً ان يكون قد إستعاد شيئاً من هيبته المفقودة، ليحاول ان يلعب دور “العكيد” ويعود الآمر الناهي في كل شاردة وواردة، متناسياً ان سفارته في تلك العمارة، هي كما الإسرائيلية في الفيلم، مكروهة، وتخرج من تحت ابوابها رائحة الدم والمؤامرات وطبخات السم.

سفير سوري وسفارة في شارع الحمراء، فيلم سوري جديد، وبإخراج رديء،.

الجزء الأخير من مسلسل باب الحارة، عفواً باب الحمرا، كذلك فيلم السفارة لن يلاقيا الشعبية التي يرجوها مخرجهما، وقد حكم عليها بالفشل قبل العرض،… ويا انا يا السفارة في قلب العمارة.

عماد بزي


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *