أم شراطيط

n565035288_2354390_5812يروي الأديب اللبناني الكبير سلام الراسي، انه وقبل قيام دولة إسرائيل، كان المسافر من القرى اللبنانية الى مثيلاتها الفلسطينية، يمر قرابة الحدود بشجرة باسقة، فروعها خضراء طويلة، ظلها وارف، تعانق المارة، وتنشر في المكان إحساساً بالهيبة ممزوجاً بالأمان والطمأنينة، وتنتشر على اغصانها الكثير من الخِرق و”الشراطيط” هكذا إكتسبت الشجرة إسمها شجرة “أم شراطيط”.

السبب في ذلك مرده الى الإعتقاد السائد آنذاك ان لتلك الشجرة مقدرة عجائبية على شفاء المرضى، وتوفير السلامة في الأسفار، والإستجابة لطلبات المحتاجين والسائلين، وحتى حل الخلافات بين المتخاصمين. فإذا عُلقت قطعة من قميص احد المرضى عليها شفي بعد حين، وإذا ربطت كوفية أحد الغائبين في اغصانها، عاد الى بيته وقومه معززاً مكرماً، وإذا نودي للصلحة، فغالباً ما تعقد في فيء “أم شراطيط”, فتحل الأزمات، وتفرج الكربات، وتعود المياه الى مجاريها، والإبتسامات الى ثغورها.

ويحدث ان يلتقي دوماً تحت “أم شراطيط” جماعات من مختلف الملل والأديان والمعتقدات، كل منهم على نية مريضه او مفقوده، او لسبب من الأسباب، و”أم شراطيط” تحتضن الجميع تحت أغصانها الوارفة كالأم الحنون…

تقول رواية اخرى، انه وفي غمرة الأحداث الطائفية والمذهبية والعقائدية (على كثرتها) التقى تحت “أم شراطيط” جماعتان متحاربتان، متخاصمتان، بينهما دماء وثارات لم تبرد بعد، وبطبيعة الحال، تكهرب الجو، وإكفهرت الوجوه، واستعد الرجال للنزال، و “خرطشة” المسدسات و”تلقيم” البنادق، وكادت الرصاصة الأولى ان تبلغ بيت النار، لولا ان احد الحاضرين من جماعة الخير بادر الى القول ” نحن في حضرة أم شراطيط، وإحتراماً لقدسيتها، الجيرة لمن جار والصلح ليس بمعيار”. فأثنى الجمع على قوله والتقوا السلاح وإستلوا الجراب وفرشوها وأكلوا سوياً فصار بينهم خبز وملح، فأنتهى الخلاف وعم السماح وعمرت البلاد…

في الماضي، عندما هجر الناس “أم شراطيط” وجعلوها وقوداً وحطباً، تلاشت، وإختفى أثرها، ما عاد أحد يسمع بها، بل اني أراهن على انها المرة الأولى التي يسمع بها قارىء هذه السطور بشجرة كان أسمها “أم شراطيط”.

اليوم، الجامعة اللبنانية، جرح لبنان الثقافي النازف، يجمع الجميع، تماماً “كأم شراطيط”، فلا تدنسوه بأنانيتكم، ولا تلوثوه بإستغلاليتكم، ولا تقطعوا عنه الدواء، وإلا إصفر و امسى كتلك الشجرة يباساً، فتتحول القضية، وتتبدل الحروف من”أم شراطيط” الى “أم شرامـيط” .

عماد بزي


Posted

in

,

by

Tags:

Comments

رد واحد على “أم شراطيط”

  1. الصورة الرمزية لـ zounazar

    بدي هنيك هل هالمقال عن شجرة الشراطيط
    وكل شرطوطة وانت بخير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *