سأتظاهر، ولو لبرهة، إني مصدق للخبرية الشائعة بأن ثمة حية همست في إذن حواء لينتهي بنا المطاف نحن بنو آدم، على هذه الأرض التي تعج بالكذابين، لأنطلق الى بيت القصيد، فيوم تمتمت الحية في إذن حواء: ما أطيب هذه التفاحة! بدل ان تقول لها كلي هذه التفاحة، كان مولد فن الكذب، ففي هذه التمتمة طاقة إيحائية كبيرة من الجمال والإغراء. ذلك ان فن الكذب هو إختلاق الجمال والكشف عن مواطنه المزعومة، فهو بالتالي ينطوي على خطوط وطرق وأساليب تجعل التعبير الذاتي الإنفعالي عن حقيقة الجمال اللاموجود أدق و أصعب من التعبير الموضوعي الواضح عن الحقائق العلمية.
لا بد وانكم مثلي تماماً قد مللتم العيش في دائرة الكذب اليومي، من مشغل الإنترنت “النصاب” الذي قبض حقه مضاعفاً وتركك تصاحب اللعنات في صحراء من الـ “Limited Connectivity” تنخس حياتك وتعطل أعمالك. و عامل الساتلايت الي يختفي هاتفه عن الشبكة بمجرد ان تنقطع موجة الإرسال ليتبين انه قد باعك بطاقة ذكية، هي ولفرط غبائك، مغشوشة ومزورة، الى سائق التاكسي الذي يحسبك سائحاً لأنك طلبت تاكسي لا سرفيس فيطلب عشرون دولاراً ثمن التوصيلة من الحمرا الى بدارو.
قد لا يكون المال و السعي وراء الكسب العامل الأساس وراء الكذب، فهؤلاء مثلاً عمال مياومين، قد تكون السبل قد تقطعت بهم، الى ان وجدوا في الكذب مادة دسمة للتمتمة بالطاقة الإيحائية السلبية يدسونها بجمالية في سياق الحديث إغراءً لتأكل تفاحتهم، وتنتهي بلا إنترنت، وخمس محطات تلفزة بدلاً عن المائة وتسعة التي وعدوك بها، و عشرة دولارات كتسوية بينك وبين سائق التاكسي الذي إنفضح أمره عندما علم انك لست مغترباً سحب قرضاً من بنكه الخليجي “ليتفشخر” به على أقرانه اللبنانيين.
إذن ليس المال دائماً الدافع الأساسي للكذب، فهناك كذابون محترفون يمتلكون من المال ما لا يمكن تبديده، بل يستعملون الكذب كوسيلة للإقناع بصوابية وجهتهم، فمنهم من يهمس كالحية سراً لجمهوره ليوظفهم على هيئة عناصر غير منضبطة، همها إفتعال المشاكل وتدمير كل ما هو عامر، ونوع آخر يهمس لجمهوره علناً، ويعدهم بالنصر وبالجنة بعد الفراق أو يوم تخرج الخليقة لمواجهة ربها، ونوع آخر من الكذابين ممن يختلق القصص والروايات ويرش عليها شيئاً من الملح والبهار وحتى المال، لتصبح سهلة التصديق، زكية الرائحة، سريعة الهضم عند الجمهور الجائع المستميت على لقمة إصلاحية – تغييرية حتى ولو إستلزم ذلك سحبها من فم الأسد.
الطامة الكبرى هي ان نعيش في دائرة الكذب على الذات، فنصدق مثلاً اننا بأصواتنا عبرنا الى الدولة، أو حللنا مشكلة السلاح، أو سوينا مسألة الحدود، أو ضبطنا سلاح المخيمات، أو حققنا العدالة لقتلة شهدائنا، أو هذبنا لهجة التخوين، أو أننا لم ننتخب الحية بذاتها رئيساً لمجلس النواب…و للمرة الخامسة.
عماد بزي – خاص مجلة الحقيقة
اترك تعليقاً