“إلى أين؟”
تلك العبارة الشهيرة التي اتحفنا بها بيك الجبل كلما ناسبتها المناسبة، او حتى إن لم تناسبها، لتصبح سيرورة النضال في السنوات الأربع المنصرمة، الى أين؟ كنا نسأل بعضنا كلما واجهتنا معضلة من معضلات الوضع اللبناني منذ العام 2005 الى اليوم، في هذا الوطن الذي تقتات إستمراريته على ديمومة المواجهة و إختلاق الخلاف بين اللبنانيين، بات يخيل لنا انه من المستحيل ان ننعم بوئام وسلام و إستقرار دونما هزات بدن أمنية او سياسية.
قد يستغرب البعض تصريح غاندي الجبل الجديد بالأمس، ولكنه صراحة لم يفاجئني أبداً، إذ كنت على علم مسبق بما ستتفتق عنه الأريحة الجنبلاطية من بدع جديدة، وليس في الأمر سراً و لا عقلية تحليل سياسي معقد، بل متابعة سريعة لما تنشره صحيفة الأنباء الصادرة عن الحزب التقدمي الإشتراكي، فكانت الأنباء قد غمزت في الأسابيع المنصرمة من قناة الدروز و قيامهم بزيارة أسموها بالتاريخية الى سوريا، فيما يرأس البيك بنفسه وفد الطائفة الى عرين “طاغية الشام، القرد الذي لم تعرف الطبيعة مثله” كما أسماه البيك بعظمة لسانه في معرض إعتذاره عن اللحاق بركب السياديين متأخراً، هذه الزيارة، إن حصلت ستكون تاريخية نعم، وتاريخية بإمتياز، وتسجل نقطة جديدة في التاريخ الجنبلاطي المتقلب الذي بات على قاب قوسين أو أدنى من ان يزيح الديماغوجية العونية من عن عرش غينيس للتقلبات السياسية.
لا تكفي غمزات صحيفة الأنباء وحدها لتشفي الحقيقة وتوقع الآتي من بيك الجبل، بل أيضاً سلسلة المواقف الأخيرة لسيد المختارة، من محاباته المفاجئة لحزب الله (ولولا العيب والحياء، لكان مجد بسلاحه ايضاً)، و عتابه المفاجىء للسنيورة على إيقافه بعض المشاريع الإنمائية (الإنتخابية) للوزير غازي العريضي، الى محاربة الخصخصة مستعيراً القليل من الترنح الإصلاحي – التغييري من غريمه العوني.
يبقى ان نشير الى أن أكبر المحللين و أكثرهم دهاءً ما كان ليتوقع ان تأتي بداية الإنحراف الجنبلاطي من زاوية القومجية و شعارات الناصرجية الفارغة وعبارات العروبة البائتة، في معرض إنتقاده لشعار لبنان أولاً لصاحبه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي بالمناسبة لا أزال “مفقوس منه” أيضاً.
عود على بدء في سرد نهج الترنح السياسي لزعيم الجبل، يبقى ان نشير الى بعض النقاط التي لا بد من تفنيدها، صراحة أرى شعار “لبنان أولاً” شعاراً منفتحاً وواضحاً و صريحاً، في حين ارى شعار بيك الجبل و جبل بني معروف، وجبل الدروز، ووحدة الطائفة شعارات إنعزالية مغلقة، ارى في شعار “لبنان أولاً” إنتماء ووطنية لا أجدها في شعارات العروبة العارية المتلطية بالقضية الفلسطينية، ارى في جماهير “لبنان أولاً” وطنية و عزة وكرامة لا أجدهما في “هسة بطخك وله” أو “هسة بجبلك الكفاح المسلح”. خير لنا أن يكون” لبنان أولاً” على ان يكون “لبنان ساحة” فنعود الى يوم كان للفلسطيني في لبنان سطوة أكثر من رب العباد، فنقتل أخانا اللبناني كرمى لعيون أبو عمار، كما أرى في “لبنان أولاً” الكثير من معاني المصالحة و السلم الأهلي، فيما أرى تهديد عائلات ظباط عسس المخابرات بالموت احدى الجرائم بحق الإنسانية.
ويبقى ان نجيب البيك على سؤاله، “الى أين؟” الى مزيد من العزلة و التقوقع…
عماد بزي
نشرت على موقع 14 آذار – مع الشكر لإحترام الحق بالنقد الذاتي فيما رفضت كل من السفير و الديار و الأنوار و الحقيقة نشر هذه المقالة فإنتهى بها الحال مرفوعة الرأس على الفايسبوك خير من ان تبقى هماً في قلب يعتصره الغضب من جماهير تهلل و رصاص مبهوج و شعب يموت كل يوم!”
اترك تعليقاً