خدمات للجميع .. بأسعار مدروسة
خاص: تريلا.أورغ
كتب: سليم اللوزي – ناشط في المجتمع المدني
يقفن على يمين الطريق السريع، بلباسهن الأنيق المثير للجدل، شأنهن كشأن ركّاب الباصات، ولكن الفرق كبير، تقترب سيارة فخمة من إحداهنّ، تنحني على نافذتها بقليل من الدلع الذي يعتبر من اساسيات الإغواء، دردشة قصيرة مصيريّة يتقرر من خلالها الوقت، الكلفة والخدمات المطروحة والمطلوبة، وإذا تمّت الصفقة، تسمع عجلات السيارة الفخمة تسابق هيكلها، لقد إختفت إحداهن، ذهبت لقضاء حاجة ملحّة لطالبها ومكسب مال لمقدّمتها.
يندثرن على إمتداد “الأوتوستراد” من “جبيل” حتى “جونية” و”المعاملتين”، كزهر البيلسان تقطفه دون حسيبٍ أو رقيب، فالخيرات هنا كثيرة والكلفة ليست بباهظة، فهنّ يمتهن البغاء بغية المال، أمام الملء ودون رقابة، ليس من الضروري أن تكون من الراشدين كي يحق لك ممارسة الجنس مع “المومس”، فلست في ملهى ليليّ أو في “كباريه” أنت على الطريق العام، فلن تسألك “ملاك الشهوات” عن هويّتك، فما يهمها سيارتك، نقودك التي ستدفعها، ثم المكان الذي ستقضون به حاجتكم، فلكل فتاة زبائنها، ونوعها المفضّل من السيارات، ومن الطبيعي أنك لن تلفت نظرها لو أتيتها بسيارة أجرة، أو على الدراجة الناريّة، فللمظاهر مكانة لدى تلك السيدات.
بين جريمة الشرف وقساوة المجتمع
لن نحكم عليهن بأنهن بعن شرفهم مقابل مال أو إرضاء لشهوات، بل من الطبيعي أن يكون خلف كل فتاة من تلك الفتيات سرٌ مدفون في قعر محيطهن الإجتماعيّ، فأغلبيتهن كنّ قد تعرضن لإغتصابٍ في الصغر من قبل أهلهم أو أقاربهم أو فارس أحلامٍ أتى على ظهر حصان لبرهةٍ من الوقت فسلب منهن حلمه وعذريتهم وقلبهم، ثم رمين كفريسةٍ في مجتمعٍ عربيٍّ لا يرحم، ينهش بلحم المخطئات دون رحمة، فالمجتمع يحكم دون أن يدرس الجوانب والعوارض، “فالمومس مومس، والشيخة شيخة والراهبة راهبة”، ولكل منهن قدسية خاصة، فأحلام الفتيات اللواتي لم يحظين بالرعاية الإجتماعية والتوعية الأخلاقية أقنعتهن بأنهن إن أردن السيارات الفخمة عليهن تقديم أجسادهن على مذبح الرغبات، وإن قذفتهم بيوتهم عند إدراك أهلهم بالخطأ الفاضح الذي يعتبره مجتمعنا بالعار “فقدان العذرية” فمن سيأويهن غير الشارع، وإصلاح الخطأ بخطأ أكبر.
لكل “مومس” .. مشكلتها وغموضها
“روزيت” التي إعتدت أن أراها في المكان عينه ولكن بلباسٍِ ليس موحد، يختلف مع تقلب المناخ، ولكن رغم الصقيع يبقى عليها إظهار بعض حسناتها لإكتساب الزبائن.
رفضت أن تذكر إسمها الحقيقي وإكتفت بالإسم الفنّي “روزيت” أو ما يعرفها به زبائنها الدائمين، روت لي قصّتها منذ الصغر، والتي أوصلتها إلى هذه المهنة التي “تقرف” منها هي شخصياً لكن الفقر والعوز يلاحقها، فتبدأ قصتها عندما كانت في سن الخامسة عشر عندما أحبّت شاب كان يقف أمام باب مدرستها عند إنتهاء دوامها بشكل يوميّ، أثار إعجابها فسرق قلبها بلمحة بصر، هربت معه في يومٍ من الأيام لتمضية يومٍ في “حضن الحبيب”، فبين غزله وحنانها سلّمت لرغباتها فوقعت ضحية عذريتها التي فقدتها لتفقد قلبها بعد بضعة أيامٍ مع إختفاء فارس أحلامها، وعند معرفة أهلها بالموضوع أضحت ركناً من أركان الشارع، تسترزق على قارعته، لتلبية إحتياجاتها المالية من مأكلٍ ومشرب وملبس، حتى اردت أسيرة في هذا القفص الذي يحكمه جلادون، تارةً يرمونها خارج الحياة فتسكن هامشها وطوراً آخر تكون ملكة لبضعة ساعاتٍ تنتهي مع إنتهاء الوقت أو إشباع الرغبات.
لهن أحلام وتمنيات ايضاً
في خضم النقاش الذي خطفته من وقتها الثمين سألتها عن مشاعرها وقلبها، فأدهشتني عندما أخبرتني بأنها لا تقبّل من تعاشرهم على شفاههم، فهي تؤمن بأن: “القبلة على الشفاه لا تعطى إلا للحبيب فهي تعبّر عن حبًّ وشغفٍ عميق ملؤه الطمأنينة والأحلام، وهذا ما لا أشعره مع الزبائن وأنا أحتفظ بالقبلة للوقت المناسب”.
قد تسأل نفسك وأنت في حيرةٍ، متى يكون الوقت المناسب لفتاة تعرض جسدها كبائع أكياس “الفوشار” على الطريق ؟؟ فتجيب بكل ثقة: “عندما يقتحم قلبي رجل بكل معنى الكلمة يتقبلني بما يحيطني من قذارة، يضمني إلى جسده ليحميني من مخرز الجلادين، فأكون زوجته ولا أخون عهده وعائلتنا”.
أدهشني بريق عينيها وهي تتلفظ بأحلامها هذه، وفاجأتني أحلامها التي تعطيها الدافع الأكبر للحياة فتعيد رباطة جأشها وتبدأ من جديد. فالحياة لا تقف عند سنواتٍ خطأ بل تكمل مادام المخطىء عازم على تصحيح الأمور.
عرض للخدمات .. وإهمال للرقابة
تكمل “روزيت” في حديثها وتخبرني عن رفيقاتها التي تقابلهنّ في ميدان عملها، فتقول: “ليست كل فتيات البغاء مثلي، فمنهن من يمتهن هذه المهنة وندر حياته لها، ومنهن من تجبرهنّ “قائدتهن” على العمل وإحضار المال، ومنهن من فرضت عليهم الحياة قذارتها وإنعدام الوعي لديهم أوصلتهم لهذه الهاوية”..
من بعيد، تحتقر هذا الصنف من الفتيات، فتعتبرهن عاهرات يتسكّعن على قارعة الطريق ينتظرن شابٌ يافع يقبع في أصفاد ملذّاته، أو رجل أوهمته الخيانة فأضحى رهينة لها، أو رجل أعمالٍ وصاحب نفوذ ظنّ أن المال قد يشتري السعادة، فتظنهن عديمات الإحساس، بالرخيص تشتري لهم سعادتهم، إلا أنك مخطأ وصارم مثل مجتمعك الذي يطلق أحكاماً مسبقة على فلان وفلانه.
تنتشر هذه الظاهرة في لبنان بشكل ملفت، إذ تكتظ الشوارع ب”المومس” في موسم السياحة، فهم ملاذٌ للعرب القادمين من الخليج، الطرفان مستفيدان، إن كان من جهة الإكرامية والحساب أو من جهة الخدمات المقدّمة للزبون، ويبقى السؤال عن المسؤول عن التلوث البصري الذي يلحقه هذا الصنف من الفتيات، أليس لشرطة الآداب أعمال في هذه المناطق فتجد فريستها هناك؟، تبعدها عن متناول أولادنا القاصرين أو تحيلهم لطبيبٍ نفسي يحول بينهم وبين مشاكلهم الإجتماعيّة التي أودت بهم لهذه الحفرة، فأصبحن “مكسر عصى” للعابثين والراغبين والمستلزمين؟
اترك تعليقاً