ثمة عادة عند اللبنانيين، كلما اصابهم اليأس من شخص ما وتنبهوا لعدم قدرتهم على مقارعته يلجأون بسرعة الى “الدعاء عليه” إما بالمرض (يبعتلك مرض) وإما بالوبال (العما بقلبك) وإما بالتعاسة والحظ العاثر (يسكرها بوجك)..
على صعيد شخصي، غبت عن الكتابة لعدة أيام بسبب حالة مرضية، طبعاً ليست بسبب دعوى من أحد المؤمنين، بل بسبب عدم قدرتي على الجلوس أمام الشاشة، وحتى أمام اي شيء أخر، فقد فقدت قدرتي على الجلوس أساساَ، اقضي عملي على الواقف، أحاضر على الواقف، آكل على الواقف، إحكي عالى الواقف، وحتى أشارك بالإجتماعات على الواقف.. صعبة، يا واقف يا نايم، بس قاعد! صعبة، كثير صعبة.
السبب، والشر برا وبعيد، وحاشى السامعين، صابتني باسورة، والباسورة هي مفرد عبارة بواسير، وبدون شرح التفاصيل لأنو الخبرية ما بتستحمل قرف أصلاً، وطيزي بلشت توجعني…
غيابي عن الكتابة ونومي المكثف أتاح لي فرصة للتفكير فيما يشغل بالي، أولاً العمل، وثانياً الوجع الناتج عن البواسير حتى إختلط الأمران، فتوصلت الى حل مختلط، ونظرية طبعاً أسجلها لنفسي في كتب علوم الإجتماع والعلوم السياسية، النظرية الآنفة الذكر هي نظرية المجتمع البواسيري…
تنفق مؤسسات المجتمع المدني مجتمعة في لبنان ما يعادل المليون يورو كل فصل على رفع مستوى الوعي الثقافي والسياسي وتنادي بالإصلاحات وبالحكم الصالح والتغيير السلمي الديمقراطي وغيرها من المواضيع، دون إحداث تغيير يذكر، لا على صعيد الإصلاحات ولا على صعيد رفع مستوى الوعي عند الشباب ولا أدنى تغيير في تركيبة المجتمع قد تزيح أمراء الأحزاب والطوائف عن كراسيهم وتدفعهم للقيام عنها وتسليمها لمن يستأهلها من أصحاب الأيادي النظيفة.
نظريتي واضحة في هذا الشأن، وهي على فكرة قد يصح تطبيقها ليس في لبنان فقط، بل اينما كان، على اي حال، نظرية المجتمع البواسيري تشتمل على حل جذري وهي إقفال كل منافذ المياه الى مجلس النواب اللبناني، لعل وعسى تتوقف الحمامات هناك، وبالتالي تسبب حالة من الإمساك المزمن والتي بدورها لابد وان تسبب مرض البواسير فيصعب على الطبقة المتحكمة بكراسي البلد ان تبقى جالسة وجاثمة عليها وتضطر الى الوقوف لتخفيف الضغط عن الباسورة، وبالتالي التخلي عن الكراسي، وصدقوني عم بحكي عن خبرة، البواسير ما بتخليك تقعد على الكرسي أكثر من خمس دقائق!
إن نجحنا في ان نصيب الساسة اللبنانيين بالبواسير، فسيتخلون عن كراسيهم أخيراً فنحقق ما عجزت عنه كل محاولات التغيير في هذا البلد، ونصل فعلاً الى إنتاج طبقة سياسية جديدة غير مبوسرة، لكن طيزها مش ثقيلة!
تصوروا مثلاً (طبعاً ليس على سبيل الحصر) لو ان أحد السياسيين الجاثمين على كرسي المجلس النيابي منذ العام 1992 اصيب بالبواسير فما عاد يطيق الجلوس، فتخلى عن كرسية لشخص آخر…
نظرية فعالة 100%، هيا بنا ندعي على الساسة اللبنانيين ونقول يبعتلكن بواسير !
السيرة سيرة خرا، والموضوع من ورا، لكن سنصل الى اليوم الذي نرى فيه البواسير تحقق ما فشلت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في تحقيقه…
–
اترك تعليقاً