لي مع حكايا الحرب في طفولتي صولات وجولات ومنها الذي لا يزال يقلق راحتي و يمنعني من النوم حتى اليوم. من حكايا الأيام الغابرة أذكر حكاية أم سعدى جارتنا المسيحية الوحيدة في منطقة اجبرتها الشهية للعنف على ان تصبح ذات لون طائفي واحد، اذكر انه ذات يوم خرجت ام سعدى قرابة المساء لزيارة اقاربها في الشطر الآخر من المدينة المنقسمة على ذاتها وتأخرت في العودة فأخذت امي تبكي و طفق ابي على عادته يكيل السباب و اللعنات ظناً منهما ان قناصاً ما قد نالها هدفاً، وماهي إلا ساعات حتى عادت المرأة وقد بللها المطر واخذت تروي لنا بطريقة دراماتيكية كيف لاحقتها رشقات الرصاص إلا انها لم تصب منها مقتلاً لأن راعي الحصان “مار جرجس” رافقها حتى عتبة الباب.
منذ ذلك الوقت تألقت صورة مارجرجس في خيالي، ايحميني من الرصاص انا ايضاً؟ سألت امي عن مارجرجس فقالت هو ذاته الخضر عليه السلام ! وناولتني كتاباً لاأزال احتفظ به الى اليوم يقول الكاتب (أديبنا الكبير سلام الراسي) ان الخضر اي مار جرجس هو مواطن بيروتي عن حق وحقيق كان يقيم في ذات وقت في محلة ميناء الحصن حيث يقوم الآن فندق السان جورج المسمى على اسمه، وفي ذلك الزمان كان التنين يخرج احياناً من البحر ويلتهم احد المارة وينشر الرعب في المدينة فاعتلى الخضر او مار جرجس صهوة حصانه الأبيض وتصدى للتنين وقتله بطعنة واحدة وأراح الناس منه الى الأبد فدعي المكان بخليج مارجرجس الى يومنا هذا ولهذا السبب امسى مارجرجس او الخضر القديس الوحيد المشترك بين ابناء بيروت مسلمين ومسيحيين فإذا تنافسوا فإنما في حبه واحترامه.
منذ فترة وأنا اراقب الحدث السياسي اللبناني ومن مسافة ليست ببعيدة، كم هي كئيبة المدينة هذه الإيام الربيع يتحول الى غمام وظلام يغطي سماء بيروت، جلست وامي نستذكر حكايا طفولتي فمازحتها قائلاً ماذا لو لم يعد الخضر و مارجرجس قديساً واحداً؟ فأكملت بحسرة ومرارة: سينتصر التنين!
لا تقسموا بيروت الى دوائر إنتخابية مفصلة على قياسات إنتخابية وطائفية، لا تقيموا حدوداً بين مار جرجس والخضر، بيروت هنا، وستبقى، ربيع الأمل، وصوت اللحمة الوطنية آتية لا محالة…
(مستوحاة من إحدى مقالاتي القديمة)
–
اترك تعليقاً