حصل ما كنا قد حذرنا منه، وصل الإستخفاف بقيم حرية الرأي والتعبير في لبنان الى حد بات السكوت عنه مشاركة للمعتوهين في عتهم، وصلت الأمور في عهد فخامة الرئيس ميشال سليمان ” الجنرال المنقذ” الى حد إستدعاء احد أجهزة المخابرات لمدون لبناني لتوبيخه!
تذكرون عندما قلت “لا تعسكروا الجمهورية” ضحك الجميع واتهموني بأنني اغرد خارج السرب، هاهي، أمامكم، حقيقة مرة، عدنا الى عصر الإستدعاء والوعيد مع فوارق بسيطة، ان جهاز المخابرات المستدعي هذه المرة لبناني وليس سوري، وإكتفى بالتوبيخ والتهديد لا الصفع والتعذيب…
ما معنى ان تقوم أجهزة المخابرات بإستدعاء المدون خضر سلامة صاحب مدونة جوعان لتوبيخه لكتابته سلسلة من المقالات تنتقد رئيس الجمهورية؟ هل معناها اننا عدنا الى العصر الشهابي وأيام المكتب الثاتي؟ لا وحياة كل اللي راح، لن نسمح بأن يعود الماضي الأليم…
منذ فترة وحرية الرأي الى تدهور مخيف، في بلد يدعي الديمقراطية والإنفتاح، منعوا الفنانين من الدخول، فإنزعجنا وقلنا ممكن ان تكون ديانة الفنان حساسة بالنسبة للبعض، فسكتنا على مضض، منعوا بعض الكتب والأفلام، قلنا بلدنا يحبو الى المصالحة، “فطنشنا” الموضوع، طاردوا الصحفيين وقلنا الصحافي “جابها لحالو” وإنتقى مهنة المتاعب، ضربوا المعتصمين من أجل غزة، فقلنا لا نشاركهم الرأي ولكن نستنكر التعرض لهم ولمن يعبر عن رأيه وحذرنا من عسكرة الجمهورية…
لا شيء ضد العسكر بالتحديد، إنما نحن ضد جعل الجيش وأجهزته طرفاً في نضال الشعب تجاه حقوقه، ما الخطوة التالية؟ وضع الجيش في مواجهة تظاهرة مطلبية للأساتذة والمعلمين أو العمال المياومين؟
العسكر فخامة الرئيس مكانه على الحدود، على سياج الوطن، كي يبقى لنا وطن، حر وسيد ومستقل، الجيش مكانه ليواجه إرهاب فتح الإسلام، لا مدون جوعان!
فخامة الرئيس، نستحلفك بالثوابت المهترئة القليلة الباقية التي ندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة، لا تتحول الى حسني مبارك أو معمر القذافي فقلبنا من الحامض” لاوي” وليس فينا رمق لمقاومة توتر داخلي جديد، ألا يكفي عصابات 14 و 8 آذار؟ لا حول لك ولا قوة أمام سطوتهم فتتجه صوبنا “لتفش خلقك؟”؟
في خطاب القسم فخامة الرئيس قلت انت وبلسانك ما حرفيته ” فلنتحد ونتضامن ونسر معاً نحو مصالحة راسخة، لزرع الأمل لدى أبنائنا، ونطلق مبادرات رائدة، إبداعية شجاعة، لتحقيق ذلك، ونعمل لبناء الدولة المدنية، القادرة، المرتكزة على احترام الحريات العامة، والمعتقد، والتعبير”
أي أمل نزرع في النفوس بتهديد الكتاب؟ أي مصالحة راسخة لا تبدأ من مصالحة الذات؟ اي مبادرات رائدة سيطلقها خضر سلامة وذاكرته معلقة بالنجوم على كتف المستدعي؟ اي دولة مدنية فخامة الرئيس بقناع مخابراتي؟
أختلف كثيراً مع خضر سلامة، من حيث الرأي والمبدأ، اكثر مما تختلف معه انت، فلا أنا يساري ولا مدافع شرس عن القضية الفلسطينية على حساب القضية اللبنانية، لكن انا معه، مع حقة المكفول في التعبير عن رأيه بحرية ومعه في مواجهة الظلم، معه في خندق واحد، أناصر قضاياه إذا إستلزم الأمر، حرصاً على حرية ضاعت بين قسم ودستور
مرة جديدة، وبلهجة أقسى، إياكم ان تعسكروا الجمهورية…
اترك تعليقاً