قد تكون السيارة نعمة بحد ذاتها منعتني عنها عقدة مزمنة حرمت علي الإمساك بالمقود ما حييت، فكيف لي ان انسى كيف انه وذات يوم علقت “دعسة البنزين” فأفلتت سيارتي من عقالها، وركبها “ألف عفريت” وتمردت عليّ كحصان جامح، وأنا على متنها أتخبط وكأنني راعي بقر متمسك بتلابيب الثور في مسابقة “الروديو” وأخذت تترنح يمنة ويساراً قاطعة الطريق بعرضها لتصطدم بحاجز الرصيف وترتفع لتستقر في حائط ثكنة الحلو فاتحة فجوة صغيرة في الجدار، وفتحة أكبر في جيبي، تسربت منها كل مدخراتي التي إبتلعتها بلدية بيروت، وشركات التأمين، وصاحب معرض السيارات النصاب الذي “لفلف” الموضوع مع خبير الحوادث الذي بدوره، وبأينشتاينية نادرة، خلص الى ان السيارة لم تصب بعطل تقني، وان قائد السيارة “محسوبكم” هو المسبب الرئيسي، لينصب نفسه قاضياً حكم علي بالأشغال الشاقة الى أجل غير محدد تحت رحمة التاكسي والسرفيس…
حسناً، الى السرفيس در!، وتحت رحمة السرفيس عش، وما المانع؟، فقد طفقت على مدى السنوات اعلل الأمر لنفسي وابرره، وأحسب نفسي إرستقراطياً بليداً يمتنع عن قيادة سيارته بنفسه ويولي المهمة الى سائق خاص، طبعاً سرعان ما يزول هذا الشعور عند أول سمفونية سعال وبصاق من النافذه من قبل سائق التاكسي، الذي يرفقها بسيل من الشتائم للدولة والنواب والوزراء إجمعين (طبعاً هو من إنتخبهم، وسينتخبهم مجدداً كالألة)، ويتكرر الأمر كلما تجاوزه مجنون متهور على متن دراجة نارية يقودها وقوفاً مستعرضاً في غالب الأوقات، هؤلاء شريحة من الناس يسميها السائق “بالوظاوظ الشيعة” نسبة الى لوحة التسجيل التي دُون عليها “جمهورية الضاحية”…،بقدر ما تزعجني اللوحة، وديماغوجية صاحبها ومزاجه الطائفي، أضحك للتعبير، وتبعاً لهوسي في تحليل الكلمات وأصلها أحاول إعرابياً ان اهتدي الى أصل الكلمة، “فالوظوظ” في هذه الحالة جمع تكسير لا حسب له ولا نسب، مشتقة من “وظوظة” معطوفة على قليل من المناطقية كون السائق يبدلها بكلمة “شباب” في وصف الشبان “المتوظوظين” في منطقة أخرى تبعاً لإنتمائهم الطائفي…
وهل يختلف “الوظاوظ” في مدى “وظيتهم” تبعاً للدين والطائفة؟ غريب!…
لكل منطقة “وظاوظها” كل “يتوظوظ” حسب حاجاته، تاريخياً كلنا نذكر “وظاوظ” شارع الحمراء، الذين كانوا على كل لسان يتبخترون على متن دراجات الهارلي دايفدسون مجاهرين بتعاطيهم المخدرات المعلقة في سلسلة على رقابهم ، حتى وصل الأمر الى حد إنتاج فيلم سينمائي مصري – لبناني عنهم حار مخرجه في تسميته الى ان خلص الى إستبدال كلمة “وظاوظ” ب “قطط”، فكان الفيلم الشهير قطط شارع الحمراء…
عودة الى السيارة التي يتجاوزها “وظوظ” آخر “مش معروف شو دينو هذه المرة” على متن سيارة بي أم دبليو صفراء فاقعة، لو أخرجت شركة البي أم سيارة بلونها الى الأسواق لإنهار الإقتصاد الألماني برمته، يتجنبه السائق بإعجوبة ويعاجله بأصبعه الوسطى…
“وظوظ” آخر، هذه المرة في ساحة ساسين، ولوظاوظ ساحة ساسين “ستيل” آخر، شعره “محلوط” عن بكرة أبيه يبرز صلعة إختيارية تلمع وتبرق في العتم، يلبس معطفاً عسكرياً زيتي اللون، يكثر من جنازير الذهب الملتفة على رقبته ويركب جيب عسكري قديم يتبختر به بين رواد الساحة…
“وظوظ” أيضاً، هذه المرة في الطريق الجديدة، يلوك في فمه حبة من العلكة، يدخل ويخرج بإستمرار الى السيارة ليغير الأغنية التي يبثها منها أم من مكبر صوت بعجلات لا أدري…
آخر، هذه المرة في الرابية، “يتوظوظ” على متن سيارته البرتقالية، بعجلات أضخم من عجلات الجرافة، وبجانبه صاحبته “الفرنشي” مشغولة بالإتصال بصديقتها لتخبرها عن مدى “وظوظة” صاحبها في القيادة…
“وظوظ بالأخضر”، في زغرتا، مشغول بتجهيز سيارته بالعدة اللازمة، “ليتوظوظ” بها في الأحراش مقتلعاً الزرع كرمى لعيني جولة “الأوف رود” التي هي وحدها الكفيلة بإبقائه ملكاً على عرش “وظاوظ” المنطقة…
جنوباً، الى صور “ووظوظ” منهمك في “تخميس” السيارة في منتصف الأوتوستراد، على وقع أنغام أغنية دائماً ما تكون عن شاب تركته صاحبته فيغني ويصف رحلته مع الألم، ونادراً ما تكون هذه الأغنية التي أكل عليها الدهر وشرب لمطرب أخر غير هاني شاكر…
بيروت من جديد، والمشهد الذي لا يكتمل إلا “بوظوظ” قطري على متن الكورفيت، يحاول أن “يتوظوظ” فلا يهتدي الى ذلك سبيلاً، فيكتفي بالتشفيط والتفحيط أمام أصحاب التنانير القصيرة، يرمي لهن “بيزنس كارد” من النافذة ويطير يسابق الريح…
جبلاً، الى “وظوظ” غرف من مرطبان مستحضر تصفيف الشعر ما تسعه يداه، ولصقة الى رأسه والنتيجة تسريحة “سبايكي”، ربما لتتلائم مع “الأيروداينامكس” لسيارته الطائرة، مع كل “يقبُرني” (بضم القاف والواو) لفتاة تتبختر بعنفوان في ساحة دير القمر…
إن كان سنخرج بإستنتاج من خريطة “الوظوظة” أعلاه، هو أن “الوظوظ” لا دين له ولا طائفة، “فالوظوظة” عامل مشترك بين جميع اللبنانيين، وهي ظاهرة غالباً ما ترتبط بالشباب، وتكثر في ظل السباق لنيل إعجاب الفتايات، أو “للتجغيل” وفرض السطوة في المنطقة…
“الوظوظ مش شيعي” كما يقول السائق، على الأقل ليس حصراً، ومن هذا المنطلق، تكاد تكون “الوظوظة” عامل الجمع الوحيد بين جميع اللبنانيين، في صيغة توافق وطني مميزة، ربما تؤهلنا في المستقبل الى الخروج بحكومة “وظوظة” وطنية، تأخذ كل قراراتها بالإجماع دونما أي إعتراض…
عدوا العدة، ولنبدأ أولاً بإنتخاب نقابة الوظيين المتحدين في لبنان.
____________________________________________________
كتبت هذه التدوينة خصيصاً لمحلة كذا مذا ونشرت في العدد 1
اترك تعليقاً