ثمة ما لا يفهم في العقلية اللبنانية في التخطيط، وهي عاهة مستديمة رافقت الدولة اللبنانية منذ ولادتها، لامنذ ان وضعت الحرب اللبنانية اوزارها اواخر العام1990 كما كنا نظن.
تتلخص محاولات المشترع اللبناني والدولة بطبيعة الحال، بمحاولات مستمرة لترقيع الفوضى لا تنظيمها، مستمدة خطتها من مبدأ “بسدك من فوق بتنفس من تحت” وقانون تنظيم تكنولوجيا المعلومات التي تحاول الحكومة تمريره ما هو إلا واحدة من هذه المحاولات الرديئة لإدارة الأزمة دون المرور بالسبل والإطر اللازمة للحل.
تعتبر محاولة الحكومة العتيدة المؤلفة من “هلاهيل” و “شراشيب” الطبقة السياسية البالية بشقيها الأذاري (8 و14) والإستغلالي (باقي اللصوص) تنظيم إطار مفقود، تماماً كما البلد الذي يشترع قيام وزارة لتصريف الإنتاج النفطي في بلد لا ينتج منه ولا قطرة واحدة. فقد بات في علم الجميع ان خدمة الإنترنت في لبنان هي الأسوأ في العالم مباشرة بعد بوروندي وسوازيلاند (هذا إن سمع احد بالبلدين المغمورين).
الأجدر بالدولة اللبنانية تقديم خدمة الإنترنت قبل محاولتها تنظيمها، قدموا لنا الإنترنت أولاً ثم نظموه، او في اتعس الأحوال نظموه وقدموا لنا خدمة إنترنت عادية، اما ان تحتكروه وتحرقوا دينه ولا تعطونا شيئاً فهو محض غباء وإستعباد لن نستطيع السكوت عنه بعد الآن.
الأسوأ في الأمر هو القانون بحد ذاته، وإن كنت لست خبيراً قانونياً، لكنني امتلك من الخبرة الإلكترونية والتحليلية والسياسية ما يكفي لاستشف من بنوده بيت القصيد.
تحاول الدولة اللبنانية فرض قيود على مستخدمي الإنترنت تتيح لها في المستقبل القريب عبر بنوده الغامضة مراقبة كل محادثة وكل مراسلة وكل بريد إلكتروني مرسل لك أو مرسل منك، نعم، تحاول الدولة اللبنانية تضييق الخناق على الحريات الخاصة والعامة عبر إجبار مسيري الإنترنت على الإحتفاظ بمعلومات ووثائق تتيح لها الإطلاع على كل ما يجري على الشبكة العنكبوتية، تماماً كما القانون الإيراني والجزائري والتونسي والتركي، مما سيشكل بداية مفضوحة لعصر الحجب الإلكتروني والتعتيم الإعلامي، فتحت ستار التنظيم وتقديم خدمة أفضل وتوفير الجو الإلكتروني الملائم للمعاملات المصرفية، ستقول الدولة اللبنانية في المستقبل (إن مر هذا القانون) بحظر الدخول الى مواقع إلكترونية محددة ومن يمنعها؟ فقد دخلنا أصلاً في عصر قمع الحريات وتتبع النشطاء بالفعل ولو بشكل مستتر، أما عن القانون الجديد، فستشكل بنوده الفضفاضة والغامضة مدخلاً لعصر القمع الإلكتروني.
لمن لا يدرك خفايا الأمور، على الأرجح ان يقوم ال128 مهرجاً في مجلس النواب ممن لا يمثلون الأمة في شيء بالمصادقة على مشروع القانون حالما يصل الى مجلس النواب، لسبب واضح جداً، فهو يمنحهم، على إختلافهم، وسيلة جديدة للتحكم بعقول اللبنانيين وتسييس الإنترنت والإعلام الإلكتروني تماماً كما فعلوا بالإعلام التقليدي، فيضمنون بذلك مواكبتهم للعصر، فقد بات الإعلام البديل الجديد منبراً حوارياً وثقافياً بعيداً عن ظلاميتهم المعهودة، وبعيداً عن تأثير الكاريزما السياسية والدينية والطائفية.
تماماً كما إمتدت يدهم الى البشر والحجر وإقتلعت الأخضر واليابس في السعي المستمر وراء تكديس الأموال وتدشين مرافق جديدة للهدر والسرقة، يحاول المشترع عبر هذا القانون إفتتاح منجم فساد جديد يدر على المستحكمين بالمواطنين مزيداً من المال والجاه.
تخيلوا ان مشروع القانون المذكور يشتمل على ما يزيد عن خمسة عشر بنداً تتعلق بكيفية تأمين الأموال اللازمة لإنشاء وتأمين مصاريف ومرتبات الموظفين والخبراء العاملين على تطبيق هذا القانون والذين سيتم توظيفهم لا من منطلق الخبرة والكفاءة، بل من منطلق المحاصصة السياسية والطائفية، إضافة الى أكثر من خمسة بنود تنتهي بعبارة (تضع الهيئة الألية اللازمة لصرف الأموال) وأضيف بدوري عليها “وخود على نصب”…
قانون سخيف يحاول تنظيم ما هو في حكم الاموجود…
سيحاولون تمرير القانون، وسنتصدى لهم بكافة السبل، لا لاننا إمتهنا قول “لا” بل لأننا نرفض ان تمتد ايديهم السوداء “الوسخة” الى آخر معاقل حرية الرأي والتعبير…
وإن الغد لناظره قريب…
–
(ملاحظة: فور المصادقة على القانون ما غيرو، ستتمكن الدولة اللبنانية من مقاضاتي على ما تقدم بتهم متنوعة، اقلها تسفيه المقامات والقدح والذم عبر الإنترنت، من هلأ لوقتها… يللي بيطلع بأيدن يعملوه)
—
—
اترك تعليقاً