بالزمنات، كان للشارب الإقطاعي هيبة يفرضها الجهل والتخلف، حيث يحكى أنه وفي إحدى الدورات الإنتخابية أيام العهد الشهابي إحتدم الصراع بين فؤاد شهاب وبين آل الأسعد وهم المسيطرين إقطاعياً وسياسياً على الجنوب اللبناني، فما كان منهم إلا أن واجهوا الشهابي في معركة كسر عظم إنتخابي فترشح الأسعد بمواجهة شاب مغمور رفعه الشهابي الى جانبه وصرح قائلاً ” لو أوقفت العصا بجانبي لصارت نائباً” …
–
كان ما كان، وصار ما صار، وأصبحت العصى نائباً، فقد أسفرت الإنتخابات عن رسوبِ مدوِ للبيك الأسعدي ونجاح باهر للشاب المغمور المدعوم من اللواء شهاب رئيس الجمهورية، حدث بعد حين ان توفي وجه من وجوه جبل عامل، فتقاطرت الوفود للتعزية، وعلى جري العادة أرسل شهاب النائب الشاب لتمثيله، فدخل النائب الشاب صحن الدار وسلم على المعزين وإتخذ لنفسه كرسياً في المقدمة، وما هي إلا هنيهة حتى أطل البيك الأسعدي فتهافتت الوفود على تقبيل يديه حتى إستقر في كرسيه على مقربة من النائب الشاب الذي سلم عليه دون أن يقف، فبادره الأسعد “مين الامور؟ ما عرفتك، إبن مين الأفندي؟” فإنكسر خاطر النائب الشاب وراح يشكو فعلة الأسعد الى سيد العهد…
–
إستوى اللواء شهاب على كرسيه، وقال له ” شوف يا إبني، نائب وعملتك، بس قدر وقيمة من وين بجبلك؟” …
–
بعيداً عن الإقطاع الأسعدي، ومخابرات الرئيس شهاب، لمن لم يدرك بعد ما المقصود من سرد هذه القصة، عليكم بتشبيهها بالإنتخابات البلدية التي جرت منذ فترة…
–
فقد كشرت الأحزاب السياسية اللبنانية عن أنيابها القذرة، وباتت تعض في اللبنانيين من الشمال الى الجنوب، لتنهش مقعداً بلدياً من هنا، أو مختاراً من هناك، محولين الإستحقاق البلدي من أبسط الممارسات الديمقراطية الى أحمى المنافسات اللاشرعية…
–
في الإنتخابات البلدية التي إنتهت مؤخراً، تمكنت الأحزاب السياسية والطائفية من إيصال كافة مرشحيها الى المجالس البلدية متجاهلة رغبة الناس ومبادىء التمثيل وفرضوا على الناس ممثليهم فرضاً، على ان سكان معظم القرى يمتنعون عن التعاون مع هذه البلديات مستحقرين السياسيين الجاثمين على صدورها.
–
وماذا عسى برؤساء البلديات واعضائها ومخاتيرها ان يفعلوا سوى التوجه الى رؤساء الطوائف ليشكوا لهم قلة الحيلة، ولا شك ان جواب هؤلاء سيكون مجدداَ “بلدية وعملنالكن، بس قدر وقيمة من وين منجبلكن؟”
في الصورة أحمد “بك” الأسعد، ونجله كامل والديكتاتور المصري جمال عبد الناصر
بالمناسبة، فقط كي لا يحسب انني اشجع الإقطاعيين، فلكم هذه الخبرية، ذات يوم ذهب وفد قوامه من الفلاحين البسطاء من بلدة عيترون الجنوبية الى دارة البكوية حيث يتحصن الأسعد وطلبوا منه معونة مادية لبناء مدرسة أو لتعليم أبنائهم حتى لا يصبحون على شاكلتهم (حسب تعبيرهم) فكان رد الأسعد “شو بدكن بالعلم، أنا عم علملكن كامل (إبنه) بيكفي!
–
اترك تعليقاً