قضي الأمر، وسويت المسائل برمتها، إنتهى وإنهار جزء من كتاب التاريخ والجغرافية والإنسانيات التي لطالما علمونا إياها في المدرسة، من منكم يذكر كيف تبجح إستاذ التاريخ والجفرافية في مدرسته ايام الصغر عندما وصل الى درس “لبنان” وإنطلق مغرداً في سمفونية الجمال والطقس المعتدل الخلاب والشواطىء والسياحة، من منكم ينسى كم تغنى بوصف لبنان معقل الأحرار، وكم توقف عند الجملة الشهيرة في كتاب الجفرافية الحديثة، الكتاب الذي لا أزال احفظه عن ظهر قلب بعد أكثر من خمسة وعشرون عاماً ونيف من رميه في صندوقة بعد ان انهيت الصف الثاني الإبتدائي، لا أزال اقلب الصفحات ذاتها وأقرأ الكلمات المطبوعة في ذاكرتي، لبنان بلد يقصده الأحرار من حول العالم للتمتع بحرية التعبير، كما تقصده الرساميل الأجنبية والعربية لتمتعه بالسرية المصرفية…
–
ينهي لبنان اليوم عصوراً من حرية الرأي والتعبير والمعتقد، ويطويها كما كتاب الجغرافية الى غير رجعة، عصور حرية بدأت حتى أيام أبعد المحتلين والمستعمرين، اليوم تدفن للمرة الثامنة مدرسة بيروت الحقوقية الرومانية بعد سبع زلازل اغرقتها في باطن الأرض تحت بيروت، اليوم يحذف لبنان من قاموسه مفردات الحريات…
–
قبل الدولة الغارقة في الفساد والمحسوبيات والمحاصصات الطائفية والتجاذبات الإقليمية، يبق العتب، كل العتب على النشطاء اللبنانيين المشغولين عن بلدهم، مشغولين بإستيراد قضايا وأوهام وحملات التضامن دون الإلتفات بأدنى الإيمان الى حالة موطنهم، يستوردون سفن الحرية، وكوبا، واريتريا، وحملات منع التدخين، ومناضلون يعيشون في الطرف الآخر من العالم وينسون بل ويتناسون ان في لبنان مساحة من النضال بدأت تتسع لتستوعب فزلكاتهم، يتضامنون حسب المناسبة، ينسون ان مساحة الحريات في لبنان قد تقلصت الى حد بتنا نعيش القمع في أزهى عصور البلطجية…
–
اتمنى لو يتوقف هؤلاء عن كتابة الشعر والأفكار السريالية، ويدعمون الشعب الفلاني والعلاني، ويلتفتون لشعبهم لو قليلاً..
–
ما مناسبة هذا الحديث؟
لبنان يعيش اسوأ عصر له تحت مسميات مختلفة… اليكم ألف مناسبة
–
- مأمون الحمصي، نائب سوري معارض يقيم في لبنان، هارباً من سوريا، ظن ان لبنان واحة حرية، وكم كان مخطئاً، رغم حصوله على صفة لاجىء من الأمم المتحدة إلا ان لبنان (المديرية العامة للأمن العام) أمهلته إسبوعاً ينتهي بعد عدة أيام لمغادرة لبنان.. هل بات الحمصي يشكل خطراً على لبنان وأمنه القومي؟ أم ان تقارب الحريري وغيره مع السوريين يستدعي التضحية بالديمقراطية في لبنان؟
– - سميرة سويدان، السيدة التي سرقت المحاكم اللبنانية من أولادها الجنسية اللبنانية (الجنسية ذاتها التي يحاول اللبنانيون سلخها عنهم بمجرد مغادرة البلاد)
– - خضر سلامة، مدون، وصلته رسالة مفادها، المخابرات اللبنانية ليست شرطة بلدية، إسكت وإلا…
– - ماريو ملكون، ناشط، إعتقل لسبع ساعات ونقل الى سجن القبة في طرابلس وتم التحقيق معه
– - نشطاء الفايسبوك الثلاثة، تم الإفراج عنهم، بإنتظار المحاكمة
– - الناشط الإيراني الأهوازي (من عرب الاهواز) محمد طاهر بطيلي، الحاصل على بطاقة لاجىء صادرة عن الأمم المتحدة،تعتزم السلطات اللبنانية تسليمه الى السلطات الإيرانية حيث يواجه عقوبة الإعدام مباشرة بتهمة الإساءة الى النظام
– - أكثر من ثلاثة آلاف سجين لبناني يقبعون في اقبية سجون مهترئة حيث تغيب أدنى مقومات الحياة
– - الموقوف الهندي ساني كومار الذي يصارع الموت في سجن رومية لدخوله لبنان بطريقة غير شرعية، في قدميه جهاز لتثبيت العظام مكشوف على كل الأوبئة والأمراض وحالته خطرة للغاية
– - مئات الموقوفين الأجانب في مركز إحتجاز للأمن العام تحت جسر العدلية محشورين كالأغنام في زريبة
– - محاولات مستمرة لتمرير قانون لتكنولوجيا المعلومات الهدف الأول والمخفي منه مراقبة المحادثات والمراسلات الشخصية للنشطاء والمواطنين بهدف إلغاء آخر معقل من معاقل حرية التعبير
– - محاولات مستمرة لتمرير قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني، ليدخلوا المدونين وكتاب الإنترنت وكتاب مثل هذه الكلمات الى أقبية السجون
– - أكثر من ألف غرامة للصحف والمجلات ووسائل الإعلام في قضايا مختلفة في السنة الماضية وحدها
– - المحاولات المستمرة لحل حزب التحرير (الديني المتطرف والسيء جداَ) الذي مع كل مساوءه سيفتح الباب امام حل الأحزاب السياسية (مع انها بحاجة للحرق) لكن المهمة منوطة بالمواطن كي يحرقها سياسياً وإنتخابياً ولا يجب ان تكون هذه المهمة منوطة بالقوى الامنية
– - آلاف الصور والفيديوهات عن تجاوزات العناصر الامنية التي أطلقت يدها وغرر بها لتظن انها رب المواطن وولي نعمته..
–
إنهارت قيم الدولة المدنية التي حلمنا بها ، وبعثت دولة خنق الحريات من جديد، لم يعد في لبنان مساحة لحرية الرأي والمعتقد، لم يعد من داع لكتاب الجغرافية الأكذوبة، اكتبوا وإكسروا القيود وإلا فإلتزموا الصمت وتحملوا العواقب…
–
–
–
–
—
–
—————————————————————–
[stextbox id=”black”]الجدير بالذكر ان تسليم اللاجئين الى بلدانهم حيث يواجهون عقوبة الإعدام تم عدة مرات في لبنان، في حين تمتنع كل الدول الديمقراطية عن تسليم كل من هو معرض لعقوبة الإعدام، أو من يشك في حصوله على محاكمة عادلة في بلاده، ولابد من الإشارة الى الصفقة التي عقدها لبنان مع كوزو اوكاموتو من عناصر الجيش الاحمر الياباني، بحيث إستنسب لاوكاموتو اللجوء السياسي وقام بإبعاد رفاقة الى الأردن رغم معارضة السلطات الأردنية لدخولهم أراضيها، فإنتهى بهم الحال تحت مقصلة الإعدام في اليابان[/stextbox]
–
اترك تعليقاً