فيما لا يزال الجدال قائماً حول كون اليهود شعب الله المختار، هناك حقيقة ثابتة لا نقاش فيها ولا تحتاج لكتب سماوية ولا أرضية لإثبات صحتها، و الحقيقة هي ان اللبنانيون هم شعب الله “المفعوط”، و “المجلوق” و فعل “الفعط” على كثرة إستعماله لا بد من ان يضاف الى مفردات اللغة العربية الفصحى ذلك لغياب كلمة صريحة لفعل “إنجلق بالعامية” إذن لابد من تكريس “الإنفعاط” كمصطلح لغوي جديد مع مصادره المشتقة (فعطَ – يفعط – مفعوطٌ …)
–
بعد الدرس اللغوي ، لابد من التوقف عند الفاعل، اي “الفاعط” و المفعول به” اي “المفعوط فيه” فهما في محل نصب ونصب بالقوة، وبالإكراه إذا إستلزم الأمر، المفعول به غالباً ما يكون اللبناني المسكين والمعتاد على عيش النوستالجيا بتفاصيلها المملة…
–
نتوقف لبرهة لنثبت صحة النظرية (وانا المنظر الخطير) التي واتتني وتلألأت امامي من حيث لا أدري بفعل “الفعطة” الأخيرة المتمثلة بالهياج والسعار الشعبي لمتابعة سلسلة الحفلات الأخيرة لسفيرة لبنان الى النجوم السيدة فيروز (مدام رحباني).
–
شيء واحد استنتجه من خلال رؤيتي “للمفعوطين” يسرحون ويمرحون ويتغالون بوصف فيروز فيرفعونها الى مصاف عليا عليا لا يطأها ولا يطالها فيها احد، إنها قمة “الإنفعاط” الشعبي اللبناني…
–
لا يختلف عاقل مع عاقل مثله، هذا إن سلمنا جدلاً بوجود الإثنين معاً كون “الإنفعاط” بات جماعياً، لا يختلفان على ان السيدة فيروز هي حقاً صوت ملائكي، وأيقونة في عالم الفن والإبداع والرقي، على ان المغالاة في المحاباة تفسد قيمة الشيء وتسلبه بريقه.
–
فيروز، فيروز، فيروز، كيفما درت في بيروت، وسط إستنفار حاد في الجيوب الخاوية تحسم سلفاً سعر تذكرة او إثنين من الراتب علاوة على هاجوج وماجوج من الصور والشعارات، حتى ان بعضهم إستبدل صورة وجهه الملائكي على الفايسبوك بصورة فيروز، وإنطلق في حوار عميق على التويتر مترنحاً ما بين الحجارة الكريمة من الكهرمان الى الفيروز…
–
من يؤمن بالله وبيومه الآخر، أزاحهما قليلاً وإستبدلهما بفيروز ويومها الأول، أما من كفر بالله وبأديانه فقد تغالى في وصفها حتى كاد يغشى عليه من شدة الورع وهو يمارس لا الصلاة، بل طقوس الإستماع والترنح بين طبقات صوتها وكانه في حضرة الملكوت.
–
“إنفعطوا” بفيروز، وصارت محور الحديث وتأجلت المشاريع برمتها، لا بات بالإمكان ان تلتقي بصديق، ولا تهاتف أحداً حتى ان حركة السير تباطأت وإنحلت، وفقدنا في طريقنا الى إحدى المظاهرات أكثر من ربع المتظاهرين اليساريين واليمينيين البواسل (يخزي العين) الذين عرجوا على سوق سوداء يمنون النفس ببطاقة او بطاقتين من هنا اومن هناك…
–
مشكلتي شخصياً ليست مع فيروز، بل ولو انني إستطعت ان اوفر القليل من الوقت لأشتريت بطاقة وذهبت لأشاهد الحفل، بل المشكلة مع الـ OVER إنفعاط ، هي المشكلة ذاتها التي تواجهني وتحز في نفسي مع “المنفعطين” سياسياً بزعيم حزب او جماعة او طائفة، إنها المشكلة ذاتها، مشكلة متأصلة ومتجذرة لبنانياً، وهي مرتبطة بظاهرة تأليه من نحب وإتباعه الى ما لا نهاية.
اليست فيروز شخصاً عادياً، بل سأقول انا، فيروز أكثر من شخص عادي، فيروز شخص مميز بفنه وبقوة صوته، إلا ان الهالة التي تنسج حولها صراحة باتت من الأشياء يلي بتلعّي..
لا أزال مصراً ان اللبنانيين يحبون التأليه و”الفنكرة” ورفع الأشخاص الى المصاف العليا نتيجة لعقدة نقص تاريخية هي نتاج مباشر للعقلية التعليمية البائتة، التي تتلخص في فكرة البطولة القصوى لشخص او مجموعة ما، فتصبح تلقائياً هياكل لا تمس ولا يجوز الإقتراب منها او حتى لمسها.
–
من الأمثلة الواضحة مثلاً لحب التأليه الناتج عن اللاوعي الشعوري الباطني، الناتج بدوره عن النوستالجيا وحب الدراما وتطبيق الخيال الدرامي وإنتهاجه في الواقع هو شخص آخر يدعى فخر الدين الثاني (المعني الكبير)، بطل لبنان، حامي الحمى، مقاتل المحتل والعادل القاطع ليد السارق (حسبما تقول كتب التاريخ اللبناني كلها) بيد ان فخر الدين هذا لم يكن سوى إقطاعي نصاب حقير، اكل وإستعبد الناس وإبتلع حقوقهم وإستولى كل ما وصلت اليه يداه فسموها ضرائب عادلة، وقطع رؤوس كل جيرانه في صراع وسخ وحقير على السلطة فسموها فتوحات توحيد لبنان!! يا جماعة… مشونا !!
–
بالعودة الى فيروز، الإلهة الجديدة، عشتروت العصر، فهي كانت متزوجة من احد الرحابنة الكبار الذي قام مناصفة مع اخيه بوضع كل هذا الإرث الموسيقي والمسرحي الكبير ، حسناً، مات احدهما، ولحقه الآخر، فهل يعقل ان تنعم فيروز وحدها بالميراث وورثة الآخر أحياء يرزقون؟ أو لأنها فيروز فالأمر مسموح، وناس بسمنة وناس بزيت؟ الامر مماثل للسيناريو التالي ان تفتتح شركة مع صديق، وتنتجون ثروة، فيموت الصديق فتأخذ زوجته كل الخيرات تنعم بها وتمسى انت وأولادك في الشارع معدماً.. افي ذلك حق؟ فقط لأنها فيروز الصوت الملائكي وسفيرة النجوم، “فينطعج” القانون امامها؟ إن كان الأمر مباحاً وعدلاً فإسمحوا لي ان اطالب بسد بوز كل من يطالب مطلق وزير أو مسؤول بقرش نهبه من جيوب الآخرين فقط لأنه شخصية عليها القيمة.
–
ثم التعابير مثل “فيروز تغني لنا” لأ حبيبي، إسمحلي فيها، فيروز لا تغني بالمجان! كيف تغني لك؟ فيروز تغني لثمن البطاقة التي ستدفعها حضرتك، طبعاً هذا من حقها، وهي تقدم لك خدمة مدفوعة، فأنصحك عزيزي ان تقفل على باقي ما في فمك من أوهام فمجدداً هي لا تغني لك، ولن تغني لك بالمجان…
–
خبرية ثانية، “فيروز حمامة السلام وصانعة الوحدة الوطنية”، صراحة هذه نكتة ما بعدها نكات، حبيبي، اي حمامة ؟ واي سلام؟ خيي فيروز بوقت الحرب كانت خارج لبنان، كيف بس شو عملت فيروز للسلام؟ وقفت الحرب؟ منعت القتل عالهوية؟ شو بالظبط عملت فسرلي؟ غنت للبنان؟ طيب الكل غنى للبنان! ولك هيفاء غنت للبنان (مع كامل إحترامي وإعتذاري من هيفاء والمقصود ليس تمييزاً)!!!
—
التأليه المتبوع بالإنفعاط مشكلة، فعلا مشكلة، لأنه يجعل المؤله أو المنفعط فيه شخصية قدسية لا يجوز الإقتراب منها، حتى وإن أخطأ، تصور مثلاً ان تفكر بكل الأكذوبات التي تعيشها من ان لبنان مثلاً بلد للعيش المشترك! طيب ليش السني يكره الشيعي الذي بدوره يكره المسيحي… وهكذا دواليك، حتى الحمص، صدقوني انه طبق تركي، نحنا ناس نصابين بياعين أوهام، أما التبولة مثلاً، والفلافل الفلسطينية الأصل وورق العنب الشامي، طيب سؤال، مفعوطين بالأرزة (وانا كمان مفعوط فيها) بس مثلاً شي مرة حدا فكر إنو الأرزة الكبيرة ليش ما بتنزل عن العلم وبتوقف الحرب والسجال السياسي مثلاً؟؟؟
–
طيب يا ايتها “المفعوطة”، ويا ايها “المفعوط” ويا شعب الله المفعوطين جميعاً، كلكم تعرفون الفن الرحباني العظيم، هل عرفتم يوماً ان 90% من إرث الرحابنة الذي غنته فيروز هو في الحقيقة مسروق ! نعم مسروق! لكن لا يجوز ان نتهم الرحابنة بالسرقة لأنهم من الكبار! حدا جرب يعرف اصل موسيقى اغنية “يا انا انا وياك…” على سبيل المثال لا الحصر؟
–
انا لست من محبي النق لمجرد النق، لكن عقلية الإنفعاط والتبعية تزعجني الى حد كبير لأنها ذاتها سبب وجود طبقة سياسية منفعط بها ومنفوخة ومؤلهة على الفاضي !!!
–
إكسروا الحواجز، حطموا اصنام النوستالجيا، ولا تكونوا عبيداً ولا تابعين، كونوا قوة، وكونوا مواطنين…
لابد من مواجهة الحقيقة المرة، وأنا شديد الأسف انها طلعت براس فيروز، لكني ضقت ذرعاً بتنصيب الأشخاص كآلهة ومن ثم التعبد لهم !!! تعبت قرفت… لا يوجد ما يسمى بالحقيقة المطلقة، إفهموها!!
–
ما يزعجني أكثر هو إضطراري لكسر حاجر الالوهية لفيروز امام البعض، إستفيقوا ايها المغفلين، والتحقوا بركب العصر، هناك أشخاص عبروا الى المستحيل وانتم لا تزالون هنا، تتناقشون هل يجوز للزوجة لعق قضيب زوجها يوم العرس؟، وهل صلب المسيح ام شبيهه؟ وهل “تفنترون” عالواقف أم ” عالقاعد” ؟ و هل ندخل الحمام بالرجل اليمنى ام اليسرى؟…
–
فعلاً انتم شعب الله “المفعوط” …والمقروط ، ولا سلام ولا ختام…
–
(ملاحظة: لهذه التدوينة مفعول رجعي على السياسيين وروساء الأحزاب والطوائف، ولست مسؤولاً عن اي حالة كفر أو إنتحار قد تنتج بصورة مباشرة ام غير مباشرة عن قراءتها، فإقتضى التنويه)
–
اترك تعليقاً