قد لا يختلف إثنان على وجوب كون الصداقات علاقات سهلة يحكمها الإنسجام الناجم عن الترفع عن اي من مسببات الخلاف كونها ذات طبيعة سلسة لا تستدعي الصدام، لا مع واقع الروتين ولا مشاكل الحياة اليومية، فهي مجردة من العواطف الحساسة السريعة العطب ومزودة بدلاً منها بعواطف صلبة قائمة على الإحترام المتبادل، هذا ما يعتقده علماء النفس والمنطق، وما اعتقدت به أنا، حتى الأمس على اي حال.
–
عود على بدء، لابد من التنويه ان لكل شخص معاييرة الخاصة في إنتقاء أصدقائه ورفقائه وزملائه، قد تترنح هذه الخيارات مثقلة سكرى ما بين المصلحة الشخصية، والمنفعة الظرفية، أو الصدق ومجرد الإرتياح لوجود شخص على مقربة او مبعدة.
–
عُود الصُلب الذي يحمي الصداقات القديمة او الحديثة يقوم بأساسه على التقدير وإحترام الرأي الآخر وإمكانية تقبل وجهة النظر المختلفة والتفاعل والتعلم بالمراقبة، وهذا بحد ذاته قيمة مضافة نبحث عنها في مطلق صديق.
–
شخصياً، لي عادة سيئة تتلخص في شدة الإهتمام بالأصدقاء وكثرة التطوع للمساندة وحشر أنفي (الكبير) في مشاريعهم الضيقة، ذلك لا طمعاً بمجد أو تقدير، بل بصدق وحب كبير، هذه العلة المزمنة سببها عقدة نقص سخيفة كونني كنت مؤمناً بالكثير قبل تطبيقي دورة تأهيلية على شخصيتي يوم أكتشفت ان الواقع مختلف للغاية عن أساطير الخيال، وان الحياة فيها من الصعوبة ما يفوق السهولة بأشواط، وان كتب التاريخ والفلسفة والسياسة التي كنت أطالعها سراً فيما اتظاهر بدراسة الواجب ليست صديقاً مخلصاً، بل هي صديق وهمي مرر عليّ أكذوبات عن فخر الدين المعني، وبشير الشهابي والأرزة، والأكثر إيلاماً خبريات الوحدة الوطنية بين النجادة والكتائب، والطقس المعتدل والتزلج والسباحة في يوم واحد، والست نسب، ودود القز والحرير، و… فيروز، عقدة النقص هذه تدفعني للتعويض عن ما فاتني من صداقات إنشغلت عنها منزوياً بالتفكير والتحليل والجذرية في الأمور، فتقودني مراراً رغم التجربة المتكررة غير المتوقفة الى إفتراض الكمال وحسن النية المطلق في الأصدقاء، فأنتهي في الكثير من الأحوال مضرجاً، أنزف الأسى والحسرة، حتى إعتدت الأمر، وانبتُ لنفسي جلد تمساح عتيق، حكته على مقاسي، يقيني من لسع اقرب المقربين، تماماً كجهاز دفاعي شبيه بالحبارالذي ينفث في الماء حبره ليعمي بصيرة المهاجمين، وهذه نظرية ادين بها حقيقة لشقيقي وليد، الصديق الوحيد الذي عنى لي الكثير، ولا يزال، رغم انني اجد صعوبة مطلقة في التعبير له عن مشاعر الأخوة السامية، ولابأس، لأنني ادرك تمام الإدراك ان تحت قناع القسوة الذي يرتديه بفعل الغربة والمهجر، لا يزال يحتفظ في داخله بكثير من العواطف التي تختلج في نفسه فتنعكس آداءً أخوياً مرتبكاً…
–
إن إفتراض حسن النية المطلقة للأصدقاء بشكل خاص والمحيط الوسطي المجتمعي بشكل عام دفعني منذ يومين الى كتابة تدوينة بعنوان “شعب الله المفعوط” لأنني رأيت في ظاهرة التعبد لفيروز عقدة سيكولوجية نابعة من الضعف والوهن وحب الخيال وهرباً اليه من الواقع، وخيانة لفيروز نفسها في المقام الاول، فثارت نفسي على ذاتها، وهالني ان أرى اصدقائي يحجون خاشعين بمسير طويل الى عالم الـ “Lala World”، فإنطلقت أرصف السطور والكلمات واحدة تلو الأخرى مستغلاً موهبة فطرية في “تليين” الكلام لخدمة التدوين، وغردت في سرب الخارجين عن المألوف لا لكي أخالف واُعرف كما مرر بين الأصدقاء سراً وانا على بينة… بالطبع، لست بحاجة لأشذ عن المألوف لأعرف، وانا اول العارفين بنفسي وبقدراتي (اللهم لا حسد ولا تكبر ولا تجبر) إنما محاولة للثورة على تلك المعايير النوستالجية محاولاً ان أوقظ أصدقائي من سكرة الخيال حتى لا يطورون لاحقاً عقداً لأن صدامهم مع حاجز الواقع لهو أمر محتم وقريب…
–
بالأمس، عجز أصدقائي وبينهم أقرب المقربين عن تقبل محاولتي أولاً لإسداء النصح في حال كنت محقاً، أو ردة فعلي الدفاعية عنهم بفعل الصداقة والإنفعال في حال كنت على خطأ، فهوى كثيرون منهم من إرتفاعات شاهقة، قطعوا خلالها حبالاً أردتها لنجاتهم، فلفوها حول عنق اواصر الترابط، فخنقوها وشلوها كرمى لعيون اصنامهم الخيالية، وما فيروز إلا مثالاً…وهو مثال منهم براء.
–
الأمر أشبه بحقنة من الكوكايين ، تنتج شعوراً مؤقتاً من الإيفوريا ونشوة الإنتصار الزائف، إنتصروا لأحلامهم، وسقطوا في فخ الواقع فلم يتقبلوا رأياً معارضاً وشخصنوا الأمور الى حد كبير، متوهمين بصوابية وجهتهم، ووجهتهم فقط، في تمثيلية فريدة من اللبنانية الخالصة الولاء لواحد أحد، إن رب، او زعيم، أو سياسي، أو حتى في هذه الحالة… فنان.
–
بئس التدوين إن كنت بحاجة لأنتقد فيروز ليقرأ احد ما أكتب، الإنتقاد كان موجهاً ضدكم، انتم “المفعوطين”…
–
ربما كان ولا يزال عليّ ان افهم بأنني لست مصلحاً إجتماعياً، ولا يجوز ان اكون صديقاً بالمجان، وإن الناس أحرار في إختيار الهاوية لا طوق الصداقة الذي هو ذاته طوق النجاة، والعكاز التي نستند عليه لنواجه الأتي الأعظم..
–
كان عليّ ان افهم ان تصالحي مع خبريات الماضي لا ينعكس بالضرورة على الجميع، وإن حذفي للتعليقات الممجدة بالتدوينة وإبقائي على السباب الشخصي في إنسجام وإقتناع بحرية الرأي والرأي الآخر لن يغير ما في نفوس خضراء، رغم ان الكثير من التعليقات تضمنت تجريحاً شخصياً مأساوياً إضطررت ان أحذفه إحتراماً لمشاعري، فلست صراحة من محبي جلد الذات.
–
كان علي ان اتوقع ان جماهير فيروز اول من يسيء فهم رسالتها…
تغني فيروز ضد التبعية والإنجرار الأعمى، وهم لا يفهمون الرسالة إلا بالعكس، أحب فيروزي كثيراً، وأبغض فيروزكم اكثر…
لست بمتعالياً، ولا مخالفاً للمألوف، لا اتصرف سوى بإنسانية صرفة، وهذا حق مشروع، لن اغير ما في نفسي لأتماهى معكم وانتم على ضلال.
–
من على سريري كتبت ما سبق، ومن هنا جاء العنوان، خالف، تَعرف، ولا تُعرف، اي خالف المعروف “تعرف من معك ومن عليك”…
–
احب فيروز؟ كثيراً، لكن عذراً سيدتي، لكم فيروزكم، ولي فيروز…
–
–
هذه التدوينة رد على سابقتها “شعب الله المفعوط”
–
اترك تعليقاً