بات من الواضح ان المعارك القادمة والأكثر إحتداماً للنشطاء اللبنانيين وللمجتمع المدني هي معارك غير تلك التقليدية التي إعتدنا عليها، فالخصم اقل ليونة، واكثر حباً للسيطرة، واكثر طمعاً بالسطوة والجاه، إذن، بات في حكم المؤكد و المعلوم ان المعارك القادمة على كثرتها ستكون معارك حريات، ورأي ومعتقد، سيتعين على النشطاء فيها إجتياز وحول الأمن ومستنقعات المخابرات، وصولاً لا الى مزيد من الحرية، بل الى الهامش المقبول لأن الأمور بدأت تتعقد، وباتت هذه القيم في إنحدار مخيف نحو الهاوية، الأمر الذي سيتصدى له النشطاء، وبالتأكيد سيرتفع لأجله غبار المعركة التي لا خيار لنا إلا النصر فيها، وإلا سنرتضي بالعيش تحت جزمة الأمن…
–
أعرفها منذ زمن طويل، واعرف حماسها وإندفاعها وحسها الثوري، وإستعدادها الكامل لمواجهة الموقف، اي موقف، في سبيل ما تؤمن به، رأيتها مئات المرات أينما كان، في التظاهرات، الإعتصامات، الصدامات مع الأمن، وبالتأكيد في شارع الحمرا، مرتع النشطاء ومنبعهم. لم اخاطبها يوماً، إلا منذ حوالي الإسبوعين، حديث وتعارف سريع على هامش الإعتصام، ولا داعي للنشطاء اصلاً ان يتعارفوا وجها لوجه، فالإحترام متبادل، و كتاباتهم، وصورهم، واشعارهم، وحماسهم وإندفاعهم في الدفاع عن الكثير من القضايا تنبىء وتبوح بالكثير عنهم…
–
فرح قبيسي، ناشطة من الطراز النادر، مشاغبة من الطراز الأول، يسارية (over) حتى العظم، مؤمنة بالقضايا التي تنشط من اجلها أشد الإيمان على ان كثرة هذه القضايا لا تلهيها عن البحث عن مسوغات وقضايا جديدة لمتابعة النضال، النشطاء من نوع فرح عملة نادرة، ويفرضون عليك إحترامهم، أكاد لا اتفق على شيئ (بالسياسة) من حيث الرؤيا والرؤية مع فرح واصدقائها، وكل منا يعمل على إصلاح مواطن الخلل إنطلاقاً من قناعة خاصة ، لكن الأمر المؤكد ان الإختلافات شتى تسقط عند التعرض لحرية الرأي والتعبير بأي شكل من الأشكال، وبشكل خاص عندما تترافق مع الإعتقال التعسفي، عندها الأمر لا يمكن ان يمر ولا ان يسمح به إنطلاقاً من كون التعبير والمعتقد والحرية جوهر الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وهي حق للمواطن اينما كان.
–
هناك فرضيتان، وقصتان مختلفتان عما جرى مع فرح نهار السبت على حاجز مخيم نهر البارد ، القصة الأولى هي انها تعرضت بالسباب والقدح والذم للجيش اللبناني، وحاولت دخول المخيم بالقوة ما ادى الى إعتقالها، والقصة الأخرى، اي قصة فرح التي تقول انها حاولت الدخول الى المخيم بإخراج قيد على جري العادة، فتم منعها بحجة ان المستند المطلوب هو بطاقة هوية، فإعتصمت في مكانها وتحاملت على تهويل المخابرات، الى ان تم إستدراجها الى سجن القبة بحجة منحها إذن للدخول، وهناك جرى توقيفها تعسفياً، حسناً، لأكون واضحاً وحاسماً، ارى في قصة فرح كل الحقيقة، ولا ارى في رواية المخابرات سوى محاولة للتغطية عما جرى، فمن يتابع مسار الأمور منذ فترة وحتى الساعة يستشف ان معظم القوى المولجة حفظ الأمن باتت تستسهل إعتقال المواطنين وترهيبهم بحجج مختلفة، من موضوع العمالة لإسرائيل، مروراً بالحفاظ على السلم الأهلي والنظام وما شابه، على اننا لا نرى الحسم والحزم ذاته عندما تنوء العاصمة مثلاً تحت ازيز رصاص المسلحين بفعل الخلاف على موقف سيارة…
–
إذن المعركة ضد التضييق على الحريات قد فتحت علناً على مصراعيها، بعدما كانت محصورة بالنشطاء فقط، خرجت الى الرأي العام، لترتقي اخيراً موقعها المطلوب في الصدارة وباللون الأحمر.
–
بخروج المعركة الى العلن وإرتقائها مصاف الأولويات الى اعلاه، تبرز الحاجة الى تخطيط واعِ، ومقدرة على المناصرة والتحليل والتجييش المضاد والتخطيط الإستراتيجي من منطلق اللاعنف كوسيلة لاغنى عنها للوصول الى الأهداف المرجوة من مطلق حملة تأييد او مدافعة، الأمر الذي يحتاج بدوره الى خبرات وتقنيات وتدريبات وممارسات خاصة تستلزم معرفة بماهية الخصم، ونقاط القوة والضعف، وتحديد شيئين إثنين على سلم الأولويات، هما من مع ومن ضد، وكيف أناصر…
–
كيف تعاطى النشطاء (وغيرهم) مع إعتقال فرح ؟
–
بداية لابد من التنويه بأن قلة الخبرة عند النشطاء اللبنانيين في إدارة حملات المناصرة (حتى الإلكترونية منها) هو العامل السلبي الأول الذي يقف عائقاً أمام الإستجابة السريعة للحالات المشابهة في المستقبل وهي باتت في حكم المحتوم، وقد اصل الى حد تحديد الأسماء المستهدفة…
–
ان ما سيرد أدناه، لا يرد من باب الإنتقاد للاشخاص،ولا إثباطاً من عزيمتهم، بل من باب التعلم من الأخطاء كي نستطيع ان نواجه الأمور بطريقة افضل في المستقبل القريب.
–
فور شيوع خبر الإعتقال، هاج الفضاء الإلكتروني بحماسة المحب والصديق للدفاع عن فرح، وهذا امر مطلوب بحده الأقصى لحصد التعاطف مع قضيتها المحقة ومجدداً هذا امر جيد ويظهر تعاضد النشطاء وتكاتفهم ليصبحوا قوة…
–
أمر سلبي للغاية، هو إتخاذ المبادرات الفردية، التي كادت ان تسير الأمور الى منحى لا تحمد عقباه، وكادت ايضاً ان تشكل خطراً مباشراً على امن وسلامة فرح في معتقلها.
–
من المبادرات الفردية ان قام عدد من النشطاء بالإتصال بأقرباء لهم إما في دوائر الأمن، وإما في السجن حيث مكان تواجدها، والإجابة بالطبع كانت في غير صالحها، حيث تم إتهامها بالتعرض لعناصر الأمن، وجرى الإيحاء بأن موقفها خطير للغاية، الأمر الذي إنعكس سلباً على النشطاء والمتابعين للموضوع وزاد من عصبيتهم وكاد ان يشل قدرتهم على التفكير.
–
أمر آخر، قيام العديد من النشطاء من لبنانيين وغير لبنانيين، بتعقيد الأمور قبل ان تنجلي خطوطها عبر المبادرة الى قدح وذم المؤسسات العسكرية والأمنية مباشرة، الأمر الذي سينعكس سلباً على آداء هذه القوى التي لم تقرر بعد (في ذاك الوقت) ما إذا كانت ستبقي عليها قيد الإعتقال أم لا…
–
–
–
–
قيام عدد من المدونين المدفوعين بالحماس وحسن النية الى إضافة وصلات عن تدوينات أخرى عن قضايا رأي مشابهة على صفحة فرح على الفايسبوك، الأمر الذي زاد من الشحن والعصبية في مرحلة دقيقة مفترض ان تكون للتروي والتحليل الهادىء لمعرفة الى اين ستؤول الأمور.
–
–
الأمر الأخطر، قيام البعض ببث أخبار غير صحيحة نابعة عن قلة الدراية والمعرفة وسوء تقدير مخيف، منها الجزم بتحويل فرح في اليوم التالي لمحاكمة عسكرية امام القاضي صقر صقر !!! أولاً من سابع المستحيلات ان يتم تحويل مطلق شخص للمحاكمة العسكرية في اليوم التالي لتوقيفه مهما كان جرمه، حتى ولو كان جرمه (المفترض) هو المساس بأمن الدولة بأخطر معاييره، كما ان إجراءات التحقيق وحدها (وبمطلق السطحية) تستلزم إسبوعاً على الأقل، ثانياً لأن مهما كان نوع الفعل والجرم (المفترض) الذي إرتكبته فرح لن يستلزم محاكمة عاجلة، ثم ان الوصول الى مفوض الحكومة اللبنانية لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر عملية معقدة تستلزم إجراءات وإيضاحات أكثر من مجرد توقيف ناشطة سلمية من قبل فرع للمخابرات.
–
–
–
أيضاً، الدعوات المباشرة الى الإتصال بقيادة الجيش والمخابرات (عبر الهاتف والبريد الألكتروني) ومن ثم تزويد الجميع بهذه الأرقام والعناوين، والدعوة في مرحلة لاحقة الى الإتصال بمكاتب رئاسة الجمهورية للأمر عينه لا يمكن ان يصنف إلا في خانة الخطأ التكتيكي المميت، أولاً لأن هذه العناوين البريدية يشغلها على الأرجح موظفين بدوام ثابت لن يتبلغوا محتواها إلا في اليوم التالي، كذلك الإتصالات الهاتفية المتكررة التي سترد الى عامل السنترال (برتبة عريف في احسن الأحوال) لن يعطي جواباً شافياً، والأمر الأخطر اننا قد إستهلكنا آداة مهمة للمناصرة دون طائل، وهنا أسأل عن مصير الرسائل التي تركت عبر السنترال أو البريد الإلكتروني والتي لن يراها المعنيين إلا اليوم الإثنين (فرح إعتقلت يوم عطلة “سبت” وتلاه الأحد) كما أسأل عن نظرة هؤلاء المستخفة بالمراسلين والمتصلين لأن مطلق تحقيق سريع سيظهر ان فرح إطلقت بعد ساعات فقط من إرسال أول رسالة… هذا بحد ذاته إستهلاك لوسيلة ضغط بشكل مبكر للغاية (يعني مثل رمي أص الكوبة أول الدق) 🙂
–
–
أمر آخر، صدور بيان حزبي عن التيار السياسي الذي تنتمي اليه فرح شذ بشكل مخيف عن أولويات معركة الحريات والإعتقال التعسفي وذهابة الى حد بعيد للإرتباط بقضايا لا يمكن ان تحل فوراً بعكس الإفراج عن فرح المعتقلة تعسفاً، واقتبس التالي من البيان.
–
“وان ما تعانيه اليوم فرح قبيسي ليس غريباً عن الكثير من الناس الذي يريدون زيارات المخيم وليس غريباً ايضاً على الالاف من الفلسطينيين المقيمين في نهر البارد والذي يفرض عليهم الاستحصال على ترخيص من اجل زيارة منازلهم. لذا نطالب بالاطلاق الفوري لسراح الرفيقة فرح قبيسي والكف عن سياسات الاذلال والترهيب الامني الجارية يومياً على مداخل مخيم نهر البارد”
–
مع الموافقة على ما ورد من ناحية الإجراءات الأمنية المشددة، إلا انه و بالرجوع الى تكتيكات وإستراتيجيات المناصرة وبشكل خاص البيان الأول في حال الإعتقال لا يجوز الربط بين الإعتقال التعسفي بواقع مشكلة لن تحل آنياً، فلكتابة رسالة المطالب تقنية خاصة تقتضي ان تظهر المشكلة الآنية والحالية فحسب في المرحلة الأولى، مع إمكانية الإشارة الى القضية الاساس في رسائل لاحقة، فما هي الرسالة الفورية (كون البيان رد عاجل على الإعتقال) هل المطلب الفوري هو إطلاق سراح فرح فوراً؟ (وهو امر يسهل تحقيقه) أم تخفيف الإجراءات على اللاجئين الفلسطينيين؟ (وهذا امر يستوجب تغيير سياسة أمنية لن تتغير بيوم واحد)
–
ثم النقطة الأخيرة، من زاوية مجرب وخبير، أربطها مع فكرة نشر الأخبار الغير مؤكدة (خبر صقر صقر والمحكمة العسكرية مثالاً) حالات التوقيف هذه تنتهي بمعظمها خلال ساعات (عادة ما تنتهي عند منتصف الليل)، لذا يجب ان يرتقي الرد الأولي لمستوى الحدث والضغط لتسريع معاملات خروج النشطاء لا تعقيد الأمور أكثر، ومن ثم الإنتقال للوضع التالي والخطة التالية في حال التأخير
–
الحلول:
–
الإستعانة بخبرات بقية النشطاء ممن يمتلكون المقدرة على التدريب والتواصل، من ثم قيام النشطاء بتنظيم حلقات توعية وتدريب حول المناصرة السلمية، واللاعنف، والرد المباشر
وضع تصور مبدئي عن الخطوات المقبلة والخصم، ومن معنا ومن علينا، والى من علينا ان نتوجه
وضع خطة تصرف سريع (direct action) لمعالجة الحالات المماثلة في المستقبل لتلافي الأخطاء المشابهة
تعريف النشطاء والمناصرين بحقوقهم في مثل هذه الحالات
–
–
لب الموضوع والخاتمة، الأمور لن تنجلي هنا، نحن مقبلون على مرحلة صعبة، علينا ان ندرك كيف نواجهها، بالعقلانية والهدوء والتخطيط والذكاء، لا بالرد السريع غير المدروس، علينا نحن النشطاء تشكيل قوة الرد المناسبة، كلنا في خندق واحد، فالظلم لا يفرق بيننا بحسب معتقداتنا، قد نختلف، لكننا على إستعداد للتضحية بما يلزم لضمان حرية الرأي والرأي الآخر في الوفاق وفي الخلاف
–
نهاية الحديث، كما بدأ، مع فرفحين، أستعير منك ثورتك اليسارية، واعتذر على تقاسمها معك، لأخبرك عن معنى جديد للحرية، إما السجن، وإما النصر، وسنسجن… وسننتصر…
–
–
–
–
اترك تعليقاً