لطالما طالعتنا كتب التاريخ والجغرافية (نعم بالتاء المربوطة) بنظريات “عويصة” عن كون لبنان بلد التفاهم والحضارة والإنتماء للوطن دون سواه، وعن خبرية “هنئياً لمن له مرقد عنزة في جبل لبنان” وعن كون الـ 18 طائفة تعيش في لُحمة وسلام ووئام دون ضغينة او حقد دفين، ولطالما صدقنا تلك الخبرية البائتة وربينا وشبنا على تصديقها ربما لأن كتب التاريخ اللبناني تنتهي العام 1945 مع الإستقلال ولوحة الجلاء ولا تجرؤ على الغوص بما اعتلت فيه الجمهورية اللبنانية من ويلات فيما بعد، ولا تأتي على ذكر خبريات الخمسينيات، ولا الثورات، ولا التوتر السياسي لا من إستدعاء شمعون للمارينز الأميركيين ولا إستقواء الأطراف المحلية بأخرى خارجية من أحلاف بغداد والناصرية وتمسك البعض بتلابيب الديكتاتور عبد الناصر ولا إعدام أنطون سعادة في محكمة صورية وغيرها وغيرها من الأحداث، فإستعصى علينا في الصغر ان نفهم كيف وقعت الحرب الأهلية اللبنانية ولبنان في اوج إزدهاره ووحدته الوطنية!
الثابت شيء واحد، هو ان التاريخ اللبناني من أساسه يخطو فوق الأوهام اللبنانية ببطل جامع إسمه يوسف بك كرم، وأمير إقطاعي نصاب إسمه فخر الدين، وبخبرية توحد الكتائب والنجادة في قيادة واحدة نحو الإستقلال… هي اوهام “دحشوها” في رأسنا.
مناسبة هذا الحديث عن الوحدة الوطنية الهشة هو تصريح للنائب والوزير بطرس حرب قلب أمعائي من شدة الغيظ على ما وصلت اليه هذه البلد من تنافر وخوف من الآخر، يطالب معاليه بضوابط على بيع الأراضي والمساحات من طائفة الى طائفة، اي ان المسلم لا يبيع المسيحي الذي بدوره لا يبيع المسلم!!! والأدهى ان الوزير ينوي إعداد مشروع قانون ليكون هذا الأمر نافذاً بحكم القانون اللبناني !!
بما ان الوزير بطرس حرب لا ينفك يطالعنا بمواد وإطروحات دستورية (أنا معها في معظم الأحيان) ، كان من الضروري ان “افقعه” هذا النص من مقدمة الدستور اللبناني “الستريتش” الذي يناسب قياس الجميع….
ارض لبنان ارض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.
الفقرة ط من مقدمة الدستور اللبناني المعدل بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/9/1990
أمام هذا الدرك الطائفي الوطيء من التعامل بين افرقاء الوطن الواحد لا يمكن ان نلوم الطفل الذي يشب فيشيب على الإنعزالية والكراهية لمن يعيش خارج منطقته ومربعه الطائفي فيحمل السلاح ليقاتل ولو اخيه…
لا نطلب منكم تبويس اللحى ولا الذقون ولا “المؤخرات”، إنما بالحد الأدنى ان تتوقفوا على اللعب على الوتر الطائفي البغيض حتى نتمكن يوماً من قطعه “من شروشه”…
عود على بدء بالنسبة لخبرية “هنيئاً لمن له مرقد عنزة في جبل لبنان”، فهي على عكس الإعتقاد السائد انها مدعاة للفخر، هي مدعاة للمسخرة، كونها تكريس لشبه الفيديرالية القديمة وقتها التي قسمت لبنان بين جبل وساحل وداخل وبين مسيحي ودرزي ومسلم، “فالهنيئاً” إنسحبت على منطقة واحدة إزدهرت دون سواها، من هنا، كان “هنئياً” لمن له مرقد عنزة في الجبل، وتعساً ووبالاً لمن ملك ولو مرقد “سيكس ويل” في منطقة اخرى.
على فكرة، “بالزمنات” احترمت بطرس حرب لإستعماله لغة المنطق في حواره السياسي حتى مع خصومه، على ان تصريحه هذا اسقطه تحت تصنيف “سد بوزك الطائفي” ، وركنه على رف “المتعفنين سياسياً” الى جانب الكثير من أهل الطوائف في لبنان، ربما لذلك فائدة فيتعلم الإختلاط بالآخرين فذاك الرف مليء برؤساء طوائف من كافة الملل والأديان “السياسية” والدينية !
لقراءة كامل بنود الدستور اللبناني وتعديلاته على موقع مجلس النواب إضغط هنا
–
–
اترك تعليقاً