لأن الحراك السياسي الرسمي على الساحة اللبنانية هو اشبه بلعبة البلاي ستيشن، حيث الجميع يدار بالتحكم عن بعد في لعبة قذرة من الإتجار بالأرواح والضمائر والمال والسلاح ولأن الفساد وصل (ومنذ زمن) الى حد بات يهدد عيش المواطن اللبناني المعرض للموت في اي لحظة، ولأن نواب الأمة لا يمثلوها بل يمثلون مصالحهم الشخصية، ولأن الطائفية سلاحاً والمواطنين رهينة، ولأن مطالبنا تتلخص بالتغيير السلمي الديمقراطي وإطلاق عجلة الإصلاحات الحقيقية النابعة من الإرادة الشعبية والشبابية، وقيام دولة مدنية علمانية تحترم حقوق الإنسان فيها قانون ومؤسسات تعمل لخدمة المواطن “لا لقصف رقبته” وكثير كثير من الأسباب الأخرى كانت تستوجب التحرك، لكن ما قمنا به كان له دافع اكبر ولو اصغر تفصيلاً… تحركنا، وقمنا بما قمنا به لأجل دفع النشطاء والمواطنين لنقاش جدوى التغيير وكيفيته، أيدوا او عارضوا او أطلقوا النكات على ما سيعتبروه حركة لا مغزى منها او إستعراض بالِ… ناشطين إثنين لن يغيروا بلداً، ولن يسقطوا نظاماً لكن العبرة بتأطير الإعتراضات ونقاش التغيير وتكرار المحاولات، والنقاش.. النقاش … النقاش، الباب الواسع للتغيير و العبور الى المجتمع الذي نطمح جميعاً بالعيش فيه.
في 16 شباط وفي ظل الإنقسام الحاد بين الطبقة السياسية الطائفية البالية والفاسدة من شلل 8 و 14 آذار حضرنا الى مجلس النواب في عملية تمويهية أشبه بكوموندوس لأن الحراسة الأمنية على أشدها (فيما المواطنين يقتلون في الشوارع يومياً) تسللنا مع اللافتات الى ساحة النجمة، وبعد إنتظار ساعة كاملة حتى حان الموعد تقدمنا من مجلس النواب تحت المطر وانظار الأصدقاء المختفين في المقاهي المجاورة مع كاميراتهم، رفعنا اللافتات، “الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي” واخرى ” بمصر كان في ديكتاتور، بلبنان في 128″ فيما تجمد الجندي حارس الباب وتسمر في مكانه من شدة الدهشة حتى انه لم يتناول سلاحه من كتفه .
في 16 شباط 2011 وتحت انظار الدمى القابعين في المجلس الذي بات مسرحاً لعرض العضلات الطائفية تقدمت عناصر شرطة مجلس النواب، “شو عم بيصير هون؟” يسألني الضابط المسؤول بعد ان مرت 10 دقائق ثقيلة تحت المطر الشديد.. انا اقف سلمياً امام مجلس النواب، “ممنوع نزلي هاليافطة لشوف ، يجيب فوراً” ، احييه، واجيبه بأننا ناشطين سلميين، ليش ممنوع؟ انا مواطن لبناني اقف في ساحة عامة امام مجلس النواب الذي يفترض ان يمثل الأمة.. “الظابط: خلصني فل من هون” لماذا؟ انا لا اخرق القانون، الدستور اللبناني يكفل لي حق التعبير عن رأيي وحقي في التجمع السلمي، اقف هنا انا وزميلي ، شخصين فقط، هذا لا يعتبر تجمعاً حتى، ثم انا هنا لأوصل رسالة الى مجلس النواب، “الظابط: لا نواب ولا غيرو، مافي، نزل هاليافطة وفل من هون” لا اجيبه واقف في مكاني، يرتبك، يستدعي دورية من الشرطة عبر اللاسلكي، ثم يستدير الى “علي” ويسأله السؤال ذاته فيعطيه الإجابة ذاتها، فيرتبك أكثر ويستدعي إضافة الى دورية الشرطة عناصر من الجيش اللبناني، يدور حول نفسه بعصبية، يعود الى سؤالي، ” قلتلك نزل اليافطة وفل من هون، ممنوع هذا مجلس النواب”، لأنه مجلس النواب انا هنا، “الظابط: ما في نواب جوا، هلأ بسكر الباب علين، يجيبه زميلي “لا يهم، المكان ذو رمزية هذا مجلس يمثل الأمة وانا هنا احمل هذه اليافطة معبراً عن رأي الكثير من المواطنين” يبدأ بالتهديد، “بدك تفل وإلا… هنا يصل الى المكان بحسب الخطة المرسومة صحافية ومصورة، “يرتبك الظابط اكثر، اخرجوا من المكان”، تجيبه انا صحافية ولي حق تصوير المشهد الذي اراه امامي، مواطنين يقفان امام مجلس النواب، يعود الى اللاسلكي الذي لم يسعفه في تلقي المساندة حتى الساعة “وين الدورية؟؟” يجيبه احد المارة مبتسماً “وين الدولة؟” ويتابع سيره مبتعداً، يعود الى “علي” ما تعصبني، غادروا المكان فوراً” ويأمر الشرطي المرافق له “خذوهن من هون” فيهم بأخذ اللافتات فنعيد تكرار اننا لا نخالف القانون فيتوقف الشرطي، ثم يأمره مجدداً بسحب الافتات وإقتيادنا بعيداً، فيتردد امام إصرارنا على البقاء، فإنتابت الظابط موجة من الغضب، وهجم على زميلي ممزقاً اللافتة، ومن ثم إستدار الى لافتتي وإنتزعها ورمى بها الى الأرض، “مين سمحلكن تجو لهون؟ تبع مين إنتو؟ روحو لعندو فتحو يافطة على باب بيته” لما أجبنا اننا مواطنين عاديين ولو كان لنا إنتماء سياسي لما كنا هنا ولما كانت هذه مطالبنا، واعدنا إسطوانة عدم خرق القانون … دخلنا في سجال طويل، إنتهى الى إقتيادنا الى مبنى في الشارع المقابل فيه مكتب آمر سرية الشرطة، فيما النقيب الأقل رتبة يلح عليه ان يقتاد الصحافية التي صورت التحرك، فيجيبه “تصور، تسطفل بس تفل من هون” فلم يستمع له وإقتادها معنا الى المبنى، في الطريق، وبمواجهة عصبيتهم فتحت المظلة، ووضعتها فوق رأس الظابط مبتمساً في إشارة الى سلمية التحرك، فيما قال له زميلي “ما تؤاخذنا، وقفناك تحت المي” …
في المبنى نزلنا الى دهليز تحت الأرض، ننتظر آمر السرية اعتقد انه برتبة عقيد او مقدم، حضر منزعجاً وبلباسه المدني، “مين هول؟ شو بيجيلي ناس بيوقفوا قدام المجلس النيابي؟ معكم إذن؟” هنا اعدنا إسطوانة طويلة من اننا هنا بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي وقع عليه لبنان وإلتزم به، ويليه الدستور اللبناني الذي يكفل لنا حق التظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير ولاسيما المواد…الخ” يعيد الكرة ممنوع التواجد للمواطنين امام المجلس النيابي! “المجلس هو بيت الشعب وفيه من يفترض انه يمثل الأمة” .. “ما في امة، هون انا بقرر..” نعترض… ويطول الأخذ والرد، فينهي السجال بقول التالي حرفياً ” لا الله، ولا الأنبياء مجتمعين ولا حقوق الإنسان ولا الدستور ولا القانون ولا احد يستطيع الحضور الى مجلس النواب دون إذني، عاملينلكن ساحة رياض الصلح هايد بارك، صرخ، عيّط، سد الطريق، حط خيمة، ببعتلك لهونيك شو ما بدك، اكل وما اكل، بس لهون ما بتجوا وما بقا بتعيدوها وما بدي شوف حدا منكن هون بقى… يطول الحديث ربع ساعة أخرى، يخرجوننا من الغرفة الى الرواق الخارجي ويبقون على الصحافية والكاميرا في الداخل، هناك يحاول الرقيب الأول إستنطاقنا، مع مين إنتو؟ تبع اي حزب؟ كيف وصلتم الى مجلس النواب؟ من اي مدخل محاولاً تحديد كيفية وصولنا مع اليافطات متخطين الحراسة المشددة وبالتالي توقيع العقوبة على حارس البوابة التي دخلنا منها الى الشارع (كنا قد إتفقنا مسبقاً على الإجابة على هذا السؤال باننا نسينا !! كي لا نتسبب بتوقيع العقوبة على الجندي الذي مررنا من بوابته وغفل عما اخفينا تحت ملابسنا) على حد قول زميلي “علي” حرام، الجندي يقف تحت المطر ولا علاقة له بما حدث وعلى الأرجح انه في داخله يغلي، فمطالبنا هي مطالبه، فما يتقاضاه من اجر لا يكفيه هو ايضاً…
بعد ساعة طويلة من الإنتظار، اخرجوا المصورة بعدما قاموا بمسح الصور والفيديو ومن ثم الصحافية بعد الإتصال بالوسيلة الإعلامية التي تعمل فيها بعدما شدد الظابط “مش بلاقي الصور الليلة بنشرة الاخبار !!”…
إتفقنا ان نلتقي في مقهى في الحمراء.. ذهبنا الى هناك، إلتقطنا انفاسنا، واعددنا الصور والفيديو، لانهم ببساطة لم يدركوا انهم مسحوا الصور عن كاميرا واحدة، فيما إختبأ في المقاهي المجاورة اكثر من كاميرا، وأكثر من هاتف يصور ويسجل، وإن الغد لناظره، لقريب…
بعض النقاط والتوضيحات والإجابات عما تردد
تحرك ناشطين إثنين فقط لن يحدث اي تغيير، ولن يكون له اي فعالية على الأرض، ولن يطلق لا ثورة ولا من يحزنون وكان هذا مقصوداً، لإرسال رسالتين، أولاً للمجلس النيابي اللبناني ومحتليه من الفاسدين والتجار، ثانياً والأهم، رسالة الى اللبنانيين ان العبرة في التحرك والمطالبة بالحقوق، لا بالعدد والعديد وبرمزية المكان، تخيلوا لو حضر كل يوم الى المجلس النيابي مواطناً خلال إستراحة الغداء وقام بما قمنا به !!!
ثانياً: إن هذا كان الحراك الأول في سلسلة من التحركات بمبادرة من عدد كبير جداً من المواطنين المستقلين، لا المستقيلين من واجبهم بمحاسبة نوابهم والعمل على دفع عجلة التغيير والوصول الى الدولة المدنية القادرة… ما قمنا به يعبر عن مبدأ المواطنة التفاعلية بحيث يقوم المواطن بدوره في المساءلة لا ان يقبع في منزله متذمراً متأففاً لا حول ولا قوة له. ولهذا السبب لم ندعو وسائل إعلامية، ولم نحاول ان نكون ابطالاً
إن اي حراك شعبي يوصل للتغيير لايصل الى مبتغاه إلا من خلال العمل ووتيرة تراكمية من الإعتراضات، الثورات التغييرية الشاملة لن تحصل إلا بإرتفاع نبض الإعتراضات المتكررة.
ما حصل ليس ثورة، وليس مقدمة لأي ثورة، إنما حراك إعتراضي من حقنا ان نقوم به كمواطنين، الحراك حقق هدفه كاملاً دون نقصان، الهدف كان بأضعف الإيمان كسر الحاجز الوهمي وفزاعة التحرك المستقل الذي لن يثمر، مجدداً الهدف حقق بالكامل وهو ان ندفع غيرنا من المواطنين الى النقاش، بغض النظر وافقوا على التحرك او إعترضوا، على الأقل ناقشوا الموضع وهذه بادرة جيدة
ملاحظات هامة وشخصية تدعو الى القرف: عوامل التخلف…
ما يؤسف في الموضوع هو جرياً على العادة اللبنانية المسماة “بالتفخيت المتخلف” هوان البعض ممن يدعي ان لا إنتماء سياسي له وانه إنسان لا طائفي وانه مواطن متافف من الوضع القائم لم يكتفي بإبداء عدم الموافقة على التحرك (حتى دون نقاش) لا بل وعمد الى ملء قناة الإتصال التي إستعملناها عبر الإعلام الجديد (تويتر) برسائل لا علاقة لها بالموضوع لأسباب محض شخصية ومتخلفة بهدف التعمية على الموضوع، من نوع شو بدنا ناكل اليوم؟ بيتزا او هامبرغر؟ طالباً من الجميع تكرار الرسالة عن عمد ما ادى الى تغييب النقل المباشر لحراك النشطاء على الأرض لوقت ليس بقليل، فيما قال آخر هذا تحرك ام “شرمطة؟” (دون ان نفهم السبب) فتجيبه احدى المتخلفات ” إنه الخيار الثاني” وتتابع ثورة البطيخ، ثم تضيف بالإنجليزية “خبروني إنو الثوار كانوا في مقهى يونس كل النهار وانهم كاذبين” وآخر يقول يحاول هذا ان يكون وائل غنيم جديد؟!!! ناهيك عن إطلاق النكات حول الموضوع بهدف إفشال التحرك، ومع ذلك نجحنا نجاحاً كاملاً
لا أدري اي منطق واي تغيير يأمل به هؤلاء عندما لا يكتفون بالإعتراض (وهو حقهم) إنما يحاولون إفشال حراك الأخرين، اعزائي إن كنتم من جماعة التنظير (وانتم جهلة) من خلف شاشة الكمبيوتر لم لا تتركون من يحاول، ان يحاول ببساطة؟ لم التعطيل؟ وهل تدركون ان وصولنا الى هذه المرحلة هو بفعل غبائكم وتخاذلكم المستمر والتصرفات المشابهة؟ تريدون التغيير؟ دعونا نعمل إن كنتم ستجلسون في بيوتكم وعلى المقاهي فقط، على الأقل لا تعطلوا جهودنا، وهذا اضعف الإيمان بالتغيير، اللهم إلا إن كنتم ممن يستأنس بالوضع الراهن وهنا يتوجب علينا ان نعمل لتغييركم وتغيير عقولكم الباهتة قبل محاولة تغيير النظام القائم
ملاحظة اخيرة، البعض (من خلف شاشته طبعاً) اطلق حكمه بفشل التحرك؟ “شو عملتو؟” عملنا الكثير يا عزيزي، والمضحك في الأمر انه في اليوم الذي سبق التحرك سألوني، ماذا تنوي ان تفعل غداً؟ اجبت بأنني سأحرق نفسي على طريقة البوعزيزي في شارع الحمراء فهللوا وصفقوا وعاهدوني على الحضور لتصوير المشهد !!! حسناً إن كنت بهذا الغباء بأنني سأحرق نفسي سدى. هل كنتم ستصنفوه كحراك جيد؟ وإن نزولنا امام مجلس النواب وقيامنا بما قمنا به هو حراك سيء؟؟ مشونا !!
كلمة اخيرة ، ردود الفعل حول الموضوع لا تهم ، تأييدكم ام إعتراضكم ليس المغزى، واشكركم جزيل الشكر لانكم انتم من حقق هدف التحرك، إن اطلقتم النكات الغبية او ابديتم التأييد، لا يهم، فالمهم انكم حاورتم وناقشتم، وهذا هو المطلوب، Mission Accomplished
سيتم عرض الفيديو لاحقاً بعد المونتاج في هذه الأثناء اليكم بعض الصور
اترك تعليقاً