لأول مرة منذ فترة طويلة جداً تنتابني رغبة عميقة بالسكوت والركون الى السكينة عوضاً عن التدوين مع ان الموضوع المثار على الساحة اللبنانية اليوم، اي موضوع “إسقاط النظام الطائفي” هو لب هذه المدونة وكبد حقيقتها وهدفها منذ التدوينة الأولى العام 1998، ربما الأمر لا يعدو كونه تراكماً للقلق والأسئلة للمرحلة القادمة، وربما هي “سكرة” ونشوة الإنتصار، اي إنتصار؟ طبعاً هو إنتصار، هو إنتصار ان ترى ان اللبنانيين مستعدين للعودة الى الشارع قلباً وقالباً موحدين ، لا خلف زعامة سياسية، ولا خلف عمامة او قلنسوة طائفية او مذهبية، ولا خلف شعار عابر للمحيطات والقارات، بل موحدين خلف بارقة امل تبعث في الروح شعوراً بالطمأنينة، شعوراً بالأمان، ونسيم ثورة يلوح في الأفق.
مع هذه الروح الجديدة، تستطيع ان ترى الأمور ببساطة متناهية، بيروت اكثر نضارة، الشوارع اكثر نظافة، هواء يعبق بروائح المستقبل يبدد غمام السيطرة القذرة لطبقة سياسية توارثت حكم العباد، تتجلى روعة الحياة ببساطتها فتغوص في بحر الأمل، تستعد لتُقبل اي كان، وكأن الأمل قد بعث من جديد، ياه! كم كان مظلوماً شعار “احب الحياة” وكم كان محصوراً في زاروب ضيق من قبل، نعم احب الحياة، بتفاصيلها، بحلوها ومرها، الإسبوع المنصرم، قدمت إعتذارات بالجملة، وتنازلات بالمفرق وبالمجان وكأن بي مس من جنون المصالحة والمصارحة، إعتذرت من عائلتي اولاً على وضعهم في حالة رعب مميت كلما غبت عن المنزل او كلما قرع شرطي جرس الباب، اعتذرت الى اصدقاء شيوعيون كنت قد بالغت في إنتقادهم، لم يتقبلوا الإعتذار، وما هم، إعتذرت بطريقة منمقة من مالك مكتبي، إتصلت بصديق كنت قد قاطعته، بعثت برسالة مصالحة الى فرقة “طفار” بعدما كنت قد امطرتهم بوابل السباب من قبل، لم يتقبلوا، ايضاً، ما هم، امسكت الهاتف لأتصل بصديقتي القديمة لأعتذر عما فعلت فأبى هاتفها ان يوصل الرسالة، قرع الباب عنصر مخابراتي، فحييته بإحترام، تحاملت على مزاجي العلماني العكر وانا استمع لموعظة سائق التاكسي كيف انه حمل زوجته على تغيير ديانتها ليتزوجها مع انها درزية! ولو لم اكن في حالة النشوة الثورية هذه لإستمع مني لسمفونية بيتهوفينية من اللعنات والشتائم لن توفر لااصابع وسطى ولا اعضاء تناسلية إلا وتستحضرها…
مجدداً سيل العواطف هذا ليس من طبعي وانا اللئيم القاسي والمؤذي ظاهراً، ولوكان ذلك دائماً بوجه حق، انه فعل التغيير، روحية الثورة القادمة، الثورة ولو انها عبارة فضفاضة لا تلائم عباءة الواقع اللبناني، لكن وقعها لجميل، ليست بالضرورة ثورة، فلنسميها إنتفاضة شبابية لتغيير الوضع القائم، حيث لا قائد ولا اتباع، لا خطيب ولا جوقة من الهتافين بالروح وبالدم، لا زعيم ولا قطيع.
شيء واحد هو المؤكد راهناً، ان الشعب الحقيقي قد قام، وان المارد العلماني قد افاق من كبوته، رفضاً للظلم، للعبودية، للفساد، للتبعية، للذل، للأرتهان، للفقر، للجوع، للحرب والبطالة…
كدت سابقاً ان افقد الامل، لا بل فقدته واستعدته مراراً وتكراراً، لكن إن لم يعيد أكثر من عشرة آلاف لبناني الامل بالعبور الى الدولة المدنية الحقيقية فماذا يعيده؟
الشباب قد قام، بخطة او بدونها، برؤية للمستقبل ام “عالبقبيشة” بتنظيم او بعشوائية، لا يهم، لا يهم، لا يهم، افضل ان لا اعرف ما التالي، افضل ان تيقى الحركة عفوية الى حين، ليبق الإستقطاب يفعل فعله، ونعيش هلوسات التغيير بنشوة رائعة…
شكراً، فقد كانت هذه إستراحة المحارب، افرغت فيها ما يختلج في نفسي من مشاعر لاتمكن من إستجماع افكاري، غداً اعود الى وقاحتي، اعود الى تدويناتي القاسية، الى أزرار الكمبيوتر التي تنهش الخطأ وترجح الصواب، افرغت ما في جعبتي من كلام النواعم، غداً يوم العمل، الى شد الأواصر، الى التجييش، الى الصور والفيديو ومناصرة الثورة دون توقف، نستعير جملة كلام حق يراد به باطل قاله السفاح الليبي ولم يخطىء، الى الأمام، الى الأمام، لا رجوع، ثورة، ثورة، بيت بيت، دار دار، زنغة زنغة…
–
غداً: تدوينة بالصوت والصورة ودون كلام معسول عن الثورة، والشباب، وحكاية ناس ضاق بها وطنها، فكسرت حاجز الرهبة.
اترك تعليقاً