انهيت تدوينتي بالأمس بالحديث عن نظرية “الإجتثاث” وكنت قد وعدت نفسي بأن انعم بعطلة نهاية إسبوع طويلة بعيداً عن اي نشاط سياسي او حتى فكري، مركزاً إهتمامي على نشاطي العاطفي، لأن هذه الناحية من حياتي قد بدأت تنهار! وتقتصر على بضع احاديث كل فترة عبر الإنترنت حتى كادت “…..” ان تهجرني، لدرجة انها كانت على وشك ان تطلق ثورة مضادة عنوانها الشعب يريد إسقاط عماد…إلا ان تسارع الأحداث يستوجب الرد على بعض الاسئلة التي اثرتها على الفايسبوك وتركتها دون إجابة…
حسناً ربما خبرية “النق” اعلاه هي لترطيب الأجواء قليلاً لأنني اعتزم ان اكمل (على غير العادة) بطريقة “ناشفة” وشبه علمية احاول فيها ان اشرح نظرية تدور حول إصراري على نظرية “الإجتثاث” هذه…
ان اي حملة للمناصرة او الدفاع عن هدف او قضية او حملة لابد وان تعتمد على الإستراتيجيات والمعايير العلمية المتبعة في كافة الكتب والاعراف السياسية الإجتماعية، فلنحاول ان ننظر الى الأمور عن كثب ونجزئها ونفصلها على قياس القالب اللبناني.
مطلق حملة مناصرة لمطلق قضية يجب ان تدور في فلك إستراتيجية معينة هي حتى الساعة مفقودة، اسمح لنفسي ان انظّر قليلاً هنا لأن الأمر يقع في ميدان خبرتي العملية كمناصر حملات إلكترونية، ولافرق هنا فمبادىء مناصرة اي قضية تبقى هي ذاتها إلكترونياً إفتراضياً او عملياً حقيقياً
اي حملة مناصرة بحسب هذه الاعراف والنظريات العالمية (مش من عند بييّ) تتألف من التالي: دراسة الواقع ومسببات المشكلة (Field & problem Assessment) العامل التغييري وقدرته (agent of change & capacity) الرسالة وطرق إيصالها (message & message delivery) ميزان المناصرة (advocacy scale) خطة العمل المستقاة من الميزان (work plan based on advocacy scale) وأخيراً العامل القياسي (milestone meter) الذي يمكن الرجوع اليه في اي وقت لتقييم مستوى العمل وتقدمه.
سنحاول وفق هذا التبيان ان نحلل واقع الحملة الحالية (بغض النظر عن صوابيتها)
ملاحظة: أحاول ان اكون حيادياً قدر الإمكان ولو ان عواطفي قد تنفعني الى الدفاع عن الحملة (حملة إسقاط النظام الطائفي ورموزه)
أولاً في الواقع والمسببات على الأرض – Field & problem Assessment
بداية عناصر الواقع على الأرض هي (على الأرجح) التالية:
- إنقسام
- طبقة سياسية (محسوبيات، فساد، رشاوى)
- 14 آذار، 8 آذار
- عامل إقتصادي (فقر، بطالة،..)
- نظام طائفي (وما يترافق معه، قمع، حريات)
- عوامل فكرية متجذرة (تبعية وطائفية،..)
- عوامل اجنبية (تشمل التدخلات والتهديدات)
- نشطاء ووسائط تغيير (افراداً ومجموعات) (منظمي الحراك الحالي)
- وسطاء تغيير آخرين – معارضين للحراك (other agents of change)
- عوامل ثانوية أخرى (لا مبالين، مستسلمين)
بإفتراض ان ما سبق هي اكثر العوامل تأثيراً على الواقع الحالي، فبالتالي هي ما انتج اليوم هذا الحراك الشبابي الوطني وصولاً لتغيير هذا الواقع، هنا ننتقل الى المرحلة التالية
العامل التغييري وقدرته – Agents of change & capacity
اعتقد ان هذه النقطة قد باتت من المسلمات مع إثبات عوامل التغيير اي النشطاء قدرتهم العالية على الحشد والتنظيم دون مشاكل وبوتيرة متصاعدة، على ان جزء آخر منها هو ما يقلق وهو الخطط المستقبلية والبرنامج الفعلي، الأمور التي سنناقشها لاحقاً
الرسالة و طرق إيصالها والهدف – Message & Message Delivery / Goal
للرسالة شرطان الأول ان تختصر المشكلة والحل والآداة وتشمل اكثرية عناصر الواقع الإشكالي اعلاه ، لابد وان ما اجمع عليه الجميع هو تحميل النظام الطائفي وزر كل ما سبق، فخرجت الرسالة واضحة، تشمل بشعار واسع كل العوامل اعلاه كونها مترابطة ونتاج مشكلة رئيسية واحدة، والشرط الأخر هو تطابقها مع الهدف، بدوره الهدف يحتاج ان يتطابق مع مقياس الذكاء SMART
الرسالة هي ” الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي” لابد هنا من العودة لنرى إن كانت الرسالة تستوفي عناصر المشكلة (طائفية و نظام) والحل (إسقاط \ تغيير) والآداة (الشعب) ولو ليس بمعظمه على انه لابأس من التعميم خدمة للدراما والقضية الحقة.
تشتمل الرسالة بتحولها الى الهدف في تفصيلها على مجموعة من الأسئلة تسمى الأهداف الذكية SMART Objectives فلنجري مزيداً من التدقيق
Specific – محددة؟ : نعم (الشعب يريد إسقاط النظام)
Measurable – ممكن قياسها ؟ نعم (تقاس بمكتسبات الحراك)
Achievable- قابلة للتحقيق؟ نعم (اي حراك جماهيري قادر على ان يحقق اهدافه)
Realistic – واقعي؟ نعم (اي مطلب جامع هو واقعي)
Timed – متى تود ان تحقق الهدف؟ (إعتصام وحراك مفتوح حتى تحقيقه)
طرق إرسال الرسالة: مشروعة وسلمية، تظاهرات، مسيرات، إعتصامات، إعلام بديل (ملاحظة، في تدوينة لاحقة (إذا ما تركتني صاحبتي) سأعرض تفصيلاً لهذه الخطط بذات الطريقة
موصل الرسالة: النشطاء، المواطنين…
إذن فعناصر الرسالة مكتملة، وبغض النظر إن كان هذا هو الحل ام لا (بعض النشطاء يعترضون على تحليل المشكلة والرسالة \ الهدف)
ميزان المناصرة – Advocacy scale
هو العامل الأهم عملياً لأن تحليله هو ما ينتج خطة عمل واضحة ورؤية للمناصرة بحيث نحدد من هو الجمهور المستهدف وكيف نستقطبه برسالتنا لنصل الى الهدف وعلى ماذا نصرف طاقاتنا وبماذا نقتصد، وعلى من نضغط ومتى ننتقل الى المرحلة الثانية، ومتى نصعد الحراك مستفيدين من العوامل المتحركة ومتى نخفض الوتيرة.
ميزان المناصرة او مقياسها هو آداة عالمية توضح القضية ومؤيديها المفترضين، ومعارضيها وغير المكترثين لأمرها، وهو مجدداً العامل الحاسم لأن اي إختلال فيه يؤدي الى الفشل الكامل.
ميزان المناصرة هو سجل قياس من صفر الى 180 درجة مع حاجز الوسط 90 درجة، بحيث الصفر هو اكثر الدرجات سلبية و 180 هو الإيجاب المطلق و90 هو الوسطي. هنا تبيان هندسي لشكل الميزان قبل تفنيد الخطة الحالية عليه
اول ما يوضحه الميزان عند بدء تفنيد الحقائق وجدولتها عليه هو التالي: الفئة المستهدفة اي من معنا، من علينا، من ممكن ان نستقطب الآن، ومن ممكن ان نستقطبه لاحقاً خلال تقدم الحملة، ومن هم من لن نستطيع إستقطابهم وبالتالي نستثمر المجهود في مكان آخر.
قبل بدء ذلك وعلى سبيل المقارنة نستعمل المعطيات التالية عن خطة النشطاء الحالية (كلها بحسب النشطاء وتصريحاتهم)
تظاهرة 6 أذار: لا نريد دعم السياسيين من رموز النظاك الطائفي، نرحب بالشباب الحزبي إن إنضوى تحت لواء التظاهرة (جنيد سري الدين – مباشرة عبر تلفزيون الجديد)
مقابلة متلفزة: نحن نود إستقطاب جماهير 8 و 14 أذار ايضاً … (باسم شيت، تلفزيون المر talk of the town)
ناشطة عبر الفايسبوك رداً على رفض إشراك قوى 8 و 14 آذار في الحراك
لا أوافق ان 8 و 14 أذار او اي حزب يجب ان يستثنى من الحملة ضد النظام الطائفي ،…. اصر على مأسسة الحملة لتصبح حزباً
ناشط عبر الفايسبوك، ايضاً رداً على الدعوة لعدم إشراك قوى 8 و 14 أذار (ومحازبيهما)
وأيضاً
أكتفي بهذه العينة (التي تبقى وجهات نظر شخصية لا تعرض لوجهة نظر الجميع طبعاً لأستخلص التالي)
– رفض رموز النظام الطائفي
– جذب جمهور 8 و 14 أذار الى جانب الحراك لأنها تشعر بالفراغ
– جذب جمهور 8 و 14 أذار لزيادة العدد
فيما وجهة النظر المقابلة كانت عدم جذبهم الى الحراك.
فلتعود إذن الى الواقع العلمي وعودة الى ميزان المناصرة لنضع الأشياء في مكانها على الجدول على الشكل الأتي:
(ينطبق التالي على اي قضية \ حملة كانت)
السلبي: وهو بالعادة إما الخصم وإما جمهوره، النسب السلبية تقسم من 0 الى 90 درجة ثلاثة اقسام (30 درجة) مكرسة في القاعدة الحسابية لأنه ليس هناك سلبية مطلقة، والأقسام الثلاثة هي (سلبي جداً، سلبي، سلبي نسبياً)
الإيجابي: بكونه واقعنا نحن، اي إيجابي تجاه قضيتنا فهو جمهورنا المناصر وبالتالي هو اقل تصلباً ويمكن قسمته الى درجتين فحسب إيجابي جداً و إيجابي او إيجابي متردد (وحدة القياس مجدداً بالدرجات لأن النسب المئوية السلبية اكبر من الإيجابية وإلا لما إحتجنا للمناصرة) اي زاوية 30 في سلبي لا توازي زاوية 30 من الإيجابي من حيث العدد بل من حيث شدة الولاء فمن الممكن ان تكون زاوية 30 من سلبي أكبر (عددياً) من زاوية 60 مثلاً في إيجابي
الوسطي: هو الذي لم يقرر بعد
سلبياً
– تحتل القوى والأحزاب السياسية ورموز النظام الطائفي المعدل الأدنى بزاوية من صفر الى 30 درجة الأولى (سلبي جداً) كونهم أساس المشكلة
– يحتل مناصروهم وقواهم الشعبية ال30 درجة الثانية بإعتبارهم الجمهور الوفي للغاية (سلبي)
– يحتل المقربين منهم القسم الثالت الأقرب الى الوسطية بزاوية 30 درجة الاخيرة (سلبي نسبياً)
وسطياً
هو خط التسعين درجة العامودي يحتله من لا يكترث للموضوع او من يقف على الحياد ولم يحسم موقفه بعد
إيجاباً
المناصرين المترددين بزاوية عشرين
المناصرين : بزاوية 70
(عملياً لا يهم مدى توزيع زوايا الجانب الإيجابي)
فلنعيد النظر الى كيف اصبح شكل الرسم البياني
–
–
بحسب الرسالة التي اطلقها النشطاء “الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي” الشعب هو الأداة (إيجابي) والنظام الطائفي ورموزه هم الخصم، إذن الآداة هنا هي الشعب الإيجابي المناصر للقضية ليوصل الرسالة الى الهدف (إسقاط النظام الطائفي).
من يذكر الفقرات اعلاه، ميزان المناصرة العلمي هذا مفترض ان يوضح من معنا ومن علينا، ومن علينا ان نستقطب الى جانبنا لنزيد من الضغط Lobbying فبما ان رسالتنا والهدف هو “الشعب يريد إسقاط النظام” بالتالي فالمهمة منوطة بالمناصرين ومن نستقطبهم على الطريق خلال الحملة (وهي ما يسمى بالخطة).
بحسب النشطاء اعلاه تصح مقولتي النشطاء على التلفزيون فيما كلام نشطاء الفايسبوك يندرج في خانة خارج الإطار إن راجعنا الـ SMARTobjectives اعلاه، فالمهمة يجب ان تكون محددة، ممكن قياسها، قابلة للتحقيق، واقعية، وملتزمة بالوقت.
في راهننا الآن هدفنا إسقاط النظام، بتصعيد الحراك؟ ام نمضي الوقت محاولين إستقطاب المعارضين من الناحية السلبية؟ إن كانت رسالتنا والهدف “الشعب يريد إسقاط النظام” فنحن على الطريق الصحيح، أما إن كنا سنضيع الموارد والطاقة والتركيز على إستقطاب من يميل بالولاء الى الطرف الخصم (المقصود بالخصم دائماً تعبير تقني لا تعبير حقود) فسيتعين علينا البدء من اول الطريق مجدداً بتحليل عوامل المشكلة بشكل آخر، ومن ثم كتابة رسالة و هدف جديدين قد يكونا “الشعب يريد تغيير آراء المعارضين” وهذا من ضروب الجنون ولا يتماهى مع اي من الأهداف الذكية فبالعودة الى الواقع الإنتماء الحزبي هو نتاج عوامل منها: القناعة، التبعية، البيئة، الخوف… وهي عوائق عنيدة تشكلت على مدى وقت طويل ولا يمكن “التفزلك” والتنظير بتغييرها لا بشعار ولا بإستكبار بل بالتعامل مع الأمر بواقعية، هل فعلاً سنقنع جماهير 14 و 8 آذار بمناصرة تحركنا؟ وهل نراهن على مجرد فرضية ان اغلبية مناصريهم مغفلين ينتظروننا لنقدم بديلاً؟؟ هذا الجنون والعنصرية وقلة الدراية والتخطيط بحد ذاتها، وبالمناسبة هذه الثقة الزائدة وسوء التخطيط افشلتا حملات مناصرة عديدة وشهيرة في لبنان ابرزها حملات منح الأم اللبنانية الجنسية لأطفالها، وحملة المطالبة بإقرار قانون للزواج المدني والعديد من الحملات غيرها.
ماذا تقول إستراتيجيات المناصرة حول الموضوع؟
فلننظر الى الرسم البياني التالي
–
إيجاباً:
المناصرين الى جانبك دائماً
لا تخسر المترددين الإيجابيين عبر الخوض في نقاشات لا فائدة لها
وسطياً:
تذكر ان تستمر طوال مدة الحملة في إستقطابهم، تذكر ان خطتك الواعية هي الأساس، وإنتبه! كونهم حياديين لا يعني انهم الى جانبك!!!
سلباً:
(سلبي نسبياً) المناصرين العاديين: بعكس الوسطيين لا تضغط عليهم كثيراً، لا تقم بمحاولات متكررة، تمهل، حافظ على خطاب هادىء، في حال وصولك الى الهدف قد لا يكونوا معك، ولكن قد لا يعارضوك
(سلبي) لا تضع وقتك بإستقطابهم وإلا تخسر المجهود والوقت الذي يمكن ان تبذله مع الوسطيين لإستمالتهم، اصرارك على إساقطابهم إضافة الى ولاءهم للخصم قد يحدث مواجهة يستميلون بموجبها السلبيين نسبياً وحتى الوسطيين
(سلبي جداً) هل حقاً ستحاول إستمالة الخصم J؟
نقاط هامة للغاية:
اخذت هنا الإفتراض حسب الواقع الحالي، وقد لا يكون الحل من الأساس هو إسقاط النظام الطائفي ورموزه! قد يكون الأمر مستحيلاً ! (أكيد لأ) قد يكون عمق المشكلة اكبر واكثر صعوبة، لذا فقد تتغير الرسالة والهدف والخطة لكن مهما إختلفت الأمور لابد وان تمر عملية المناصرة بهذه الطريقة
ما سبق لا يتوجه ضد شخص او مجموعة معينة، إنما هي محاولة لإيضاح طريقة علمية منهجية واعية، لا تقصد بأي طريقة إنتقاص من مجهود اي كان، إن فرد او مجموعة، المجموعات والأفراد جميعاً يقومون بكل ما يلزم للسهر على حسن سير التنظيم والتخطيط وإن كان من مقصر، هو كاتب هذه السطور (حضرتي) لأنني تقاعست عن شرح هذه النظرية ومشاركتها مع النشطاء خلال التخطيط للعمل
ما سبق هو مجهود فردي، يستند الى خلفية علمية موجودة في كافة الكتب والمراجع ومتوافرة على الإنترنت مضافاً اليها عامل الخبرة، وكل ما يرد فيها قابل للنقاش الهادىء والبناء، انا داعم للحراك، وداعم بكل قوة، ولو لم يعجب هذا الامر العديد من الأصدقاء، إن فشل نفشل كمجموعة، فنعيد التنظيم والتخطيط، وإن نجح نعبر جميعاً الى الدولة (مش على طريقة 14 آذار)، خوفي الوحيد انه ان اصرينا على التمادي بالفشل ان نخسر من كان في موقعاً وسطياً فيصطف بشكل حاسم الى جانب السلبيين.
اترك تعليقاً