لم يكن هناك من مشهدية اروع من رؤية الأمهات والاطفال في تظاهرة هذا الأحد، ولم يكن هناك من إحساس أجمل من الرقص مع جسر البسطة وهو يتمايل مهتزاً لوقع الزحف الشبابي، الحشود التي تضاعفت وتضاعفت مع كل دعوة للتظاهر بات من حقها المشروع ان تحصل منا على إجابات على بعض من اسئلتها، فقد علا النفير، وتصاعدت حدة الصراع مع رموز الطبقة الطائفية، وبدأ يتبلور أكثر فاكثر…
بمعزل عن كل ما قيل وسيقال مستقبلاً، وبمعزل عن كون الحراك الثائر والهادر الذي يشهده لبنان هو جزء من المد الفكري التغييري وجزر الرجعية العربية بكافة اشكالها، بمعزل عن كل هذا، يتضح امراً جوهرياً، ان المواجهة بدأت تتخذ شكلاً جديداً، لتكتسب الى صفها مواطنين جدد، ولتنفض عنها آخرين إستغلاليين، لتعبر الى الواقع الجديد، واقع الرفض للطبقة البالية بكل رموزها لتعيد الحق الى مستحقيه سياسياً وإجتماعياً، وإقتصادياً…
لتحقيق هذا الواقع لابد من إستمرار الحراك بوتيرة متصاعدة، ولابد من عملية إعادة تقييم فورية للمرحلة السابقة حنى نخرج بالخطة الواضحة، إن كان مسموحاً في المرحلة الأولى ان نعمل “فراطة” وفي المرحلة الثانية ان نحاول ان نبني شيئاً، فمن غير المقبول ان نخرج الى ما بعد المرحلة الثالثة الآن دون خطاب واضح وصريح يعيد ترتيب الرهانات في اولوياتها، ويؤسس لمنهجية جديدة في الصراع السلمي ضد الطبقة السياسية، فشعار “الشعب يريد إسقاط النظام” لم يعد ينفع إلا كشعار في التظاهرة، اما على الورق والواقع فالأمر يختلف، نحن بحاجة الى إنتاج افكار عملية تنتج بدورها خطاباً شعبياً او شعبوياً يعبر عن هذه الشريحة الجامعة بإختلاف توجهاتها، ولفعل ذلك لابد من الأخذ بعين الإعتبار العديد من الأمور هي التالية بترتيب عشوائي:
– أولاَ : التصالح مع الذات في موضوع تقبل الإنتقاد، فنحن لا ننتقد للتمايز، بل ننتقد ونستقبل النقد لنخرج بآلية اوضح وخطاب ادق ولكن اشمل.
ثانياً: التصدي الواضح دون اي خجل لمحاولات خطف الحراك من قبل رموز النظام، فلا نخجل ان نسمي نبيه بري بالإسم، ولا نراعي وليد جنبلاط ولا نتغاضى عن حضور منسق تيار المستقبل مع كاميراته.
ثالثاً: إنتاج الخطاب الدقيق، فنحن نطالب بإسقاط النظام الطائفي، والنظام في لبنان عملياً هو “شبه علماني” فيما العقدة بحد ذاتها هي في القوانين الطائفية (الإنتخاب، الجنسية، الزواج، الأحوال الشخصية،…والمزيد)، ان دققنا أكثر في إشكاليات هذا النظام لوجدنا ان عقدة إصلاحه تكمن في إستحالة وصول الصوت الى حيث يجب ان يصل، اي الى النوّاب (الزعران) (البلطجية) من ممثلي هذه الأمة، إذن حل العقدة يكمن فعلياً في إسقاط الطبقة السياسية ورموز النظام، لأن القوانين وإن تغيرت لن تأتي إلا بالطبقة ذاتها مع تطعيم طفيف لن يصمد امام هاجوج وماجوج البرلمانيين الطائفيين، مجدداً اليافطات المطلبية التي ترفع في التظاهرات هي حق لرافعيها، هي تفاصيل القضية، يجب ان تبقى، إنما خطاب التظاهرة الداعي اليها والموجه لعامة اللبنانيين عليه ان يكون خطاباً ادق بكثير، وهنا اعيد الإقتراح، إنتاج خطاب “المواجهة نحو إسقاط رموز النظام الطائفي”…. نقطة.
رابعاً: رفع مستوى المواجهة مع هذه الطبقة وصولاً الى المواجهة المباشرة (سلمية – لاعنفية) بطرق قد يتم الإتفاق عليها بحيث (مجدداً) لا تخجل من من تسمية هؤلاء بأسمائهم، فالتظاهرات تهد حيلنا جسدياً، كما انها تستثني بعض من ذوي الإحتياجات الخاصة، ولابد من اللجوء الى اساليب جديدة تترافق مع التظاهر سيراً لثلاث ساعات.
خامساً: إصلاح ذاتي، إن اعتبرنا (وهو الحال) ان كل ما يعصف بالبلاد هو نتاج هذه الطبقة التي ترعى النظام الطائفي على هيئة Full Sponsor وكأنه الدوري الإسباني، لابد من التوجه بالخطاب المضاد لهم مباشرة، فلا نضرب المتظاهرين الذين يسمون الأشياء بإسماءها ، ولا نمزق لافتاتهم بإسلوب اقل ما يقال فيه انه مشابه لإسلوب النظام، هذا في الشق الأول، اما في الشق الثاني فيستوجب إزاحة رموز من الحرس القديم من المنظمين إفساحاً في المجال امام الشباب لإنتاج ثورة شبابية من رحم الأفكار الجديدة لا العتيقة، وهنا لا اقصد اشخاصاً محددين، إنما “اللي تحت باطو مسلة بتنعروا”.
من الأمور المرفوضة كلياً، الإعتداء على اي من المتظاهرين بهذه الطريقة مهما كان السبب ولأي غاية
لاحظ المعتدي على اللافتة يقول (ما بدنا نقول هيك علناً، اصلاً هني فاهمين) تنويه، لأ مش فاهمين!
جزء من “خامساً” ايضاً هو إن كنا نقول اننا ضد الطبقة السياسية الفاسدة، لم نهتف ضدها ونخاف من ان نرفع صورها وندينها؟ لم يتوجب ان تكون كافة الشعارات “ضد الكل او بدونها” فكلهم اطياف الطبقة البالية ذاتها، والمشكلة هي ذاتها، لم تقبل يافطة “مبلا للسلاح” ولا تقبل يافطة “لا للسلاح” على صعيد المثال، علينا ان نبدأ في التصالح مع فكرة كون هذه التظاهرات جامعة للجميع من مختلف المشارب الفكرية فيما عدا المحزبين ممن يدين بالولاء بالروح او بالدم لرموز سياسية فاسدة. هؤلاء عملياً فاتهم قطار الإنضمام ولو روحياً الى الصف المطالب بإسقاط النظام ورموزه.
نقطة حاسمة للغاية، فيديو ثاني لقمع لافتة ثانية (حلوا عنا) تحمل صور الرموز السياسية، القمع تم بطريقة غير مقبولة تشبه الى حد بعيد طريقة الطبقة والرموز التي نسعى الى إسقاطها، يجب محاسبة المسؤولين ممن قاموا بهذا الفعل ومنعهم من المشاركة ضمن فريق التنظيم المرة القادمة، نحن أحرار في قولنا وفعلنا ما لم نخرج ولم نحيد عن أهداف وشعارات التظاهرة، ممنوع المس بحرية الرأي والتعبير بأي شكل من الأشكال
[tube]http://www.youtube.com/watch?v=kddWJqsSTac[/tube]
ممنوع ان يكرر اي المنظمين هذه الحادثة، هم ليسوا أولياء أمور، هم منتدبين للحفاظ على سلامتنا، لا ضربنا!!
سادساً: وهي نقطة حساسة، اتمنى ان لا تفهم بشكل خاطىء، لطالما كان اليسار اللبناني في طليعة النضال والإنحياز للطبقة الكادحة والعاملة والمهمشة وهو المساهم الاكبر على مر سنين ما قبل الحرب، ثم ما بعدها (لأنه كان الطرف الأكبر فيها) كان في طليعة تأطير الحراك الشبابي المعترض، إنما كون الحراك هذا حراكاً اوسع واشمل يضم كافة شرائح واسعة جداً من اللبنانيين، لابد وان يتم الحد من النفحة اليسارية للتحرك (هتافات، شعارات، كوفيات) ، لأن الامر يساهم بشكل او بآخر في إبعاد شريحة كبيرة وواسعة من اللبنانيين ويشكل “نقزة” وعامل خوف من كون التظاهرة ذات إتجاه سياسي او فكري معين. انا لا اقول أبداً ان الحراك يساري، او بدفع وتنظيم يساري، إنما الحراك هو لبناني جامع فيه لبنانيين من كافة الأطياف مواطنات ومواطنين يجمعهم هم واحد لا يفرق بين يمين و يسار فالكل تحت مطرقة الطائفية وسندان رموزها، أكرر، الحراك لبناني جامع لا يختصره لا يمين ولا يسار، حتى ان الصراع مع رموز الطائفيين لابد وان يحرك من هو في اقصى اليمين ويضعه الى يسار اليسار الذي يبادر في العبور الى يمينه، فتيزاوج المذهبان الفكريان في حركة مطلبية جامعة، تماماً كما حدث في مصر على سبيل المثال. (الأمر ذاته ينطبق على العلمانية المصطلح المخيف للبعض، فإقتضى التنويه)
سابعاً: تزامناً مع تنقيح الخطاب من الشوائب وتحديد الاولويات والوضوح اكثر من الأهداف، لابد من رفع مستوى المواجهة الإعلامية والإعلانية، لابد من التفكير بحملة إعلانات “شعبية” ترد على التضليل المستمر ومحاولات خطف التحرك.
نقطة أخيرة، تنويه بالعمل التنظيمي الرائع، وحس المسؤولية العالي لدى المتظاهرين وبعض المنظمين ممن يحسن تقبل الإنتقاد بروحية رائعة، إضافة الى تذكير أخير لمن لم يحسم رأيه بعد، او لديه اي شكوك ان هناك تلاعباً من اي نوع في اهداف التظاهرات، او ان جهة معينة تقف ورائها، سياسية كانت ام غير سياسية، الأمر بعيد كل البعد عن الحقيقة، والصور ادناه خير شاهد ودليل.
البوم صور التظاهرة الثالثة – للحصول على الصور بدقة عالية إتصل بي
–
من مدونات أخرى، أفكار برسم النقاش: (انا غير مسؤول عن محتوى اي من الصفحات أدناه)
إبراهيم عرب: حتى لا توأد الثورة ضد النظام الطائفي في مهد الغوغائية
الجريدة: مظاهرة ٢٠ اذار في لبنان: البيان المنتظر
هنيبعل: كي لا تسقط العلمانيّة قبل سقوط النظام!
هام للغاية: مرة جديدة، النظام يحاول خنق الحريات
أسعد ذبيان، خرشات بيروتية: عندما حاول النظام خنقي
–
اترك تعليقاً