بالزمنات، بالـ 2005 يعني، كنت من المنتشين بما عرف بثورة الأرز، كنت ممن يظنون انهم حققوا النصر العظيم فقط بخروج القوات السورية من لبنان دون رحيل عصابتي الزعران (8 و 14)، وبالرغم من إمتعاضي من بعض التصرفات العنصرية على نسق “فاجأناكم موو” إلا اني بقيت على إيماني بأن الربيع القادم (لا محالة) سيحمل للبنان واللبنانيين وئاماً وسلاماً ووحدة داخلية لا مثيل لها، وإن طريق العبور الى الدولة الحقيقية بات ممهداً، لا بل وإنتشيت اكثر وإنحرفت وبت اتعاطى الأرزة ومصطلح الحرية، فخرجت اكتب بإسمي الحقيقي، واوزع المنشورات والصق المطبوعات على الحيطان، على ان تعاطي الأرزة لا يسكر، فما لبثت القوى الأمنية ان القت القبض علي و”سدّت بوزي” وحرصت على ان تدلعني واصدقائي في “برمة العروس” فلم يتركوا مركزاً أمنياً إلا وإجبرونا ان نحج اليه مقيدين بالأصفاد من اللواء الأول، الى الثاني الى الشرطة العسكرية في المتحف، الى وزارة الدفاع وسجنها المهيب، الى مخفر الأشرفية حيث إطلق سراحنا بعد يومين، فكرت قليلاً وقتها بالتخلي عن تعاطي الأرز واستبداله بالصنوبر لأنه اخف وطأة، ثم عدلت عن الفكرة…
بالزمنات، بالـ 2006، وبفعل تعاطي الأرزة مجدداً، ظننت اني إمتلكت العالم، فحل عيد الميلاد الذي يصدف ذكرى ميلادي ايضاً ولو ان المسيح نفسه عرف انه بعد الف وتسعمائة وثمانون سنة سيخرج الى العالم شخص بمثل إلحادي لكان قد قرر ان يخرج قبل او بعد هذا التاريخ، المهم بالموضوع انه كان لي صديقة شديدة التدين، سحلتني معها الى احد الكنائس سحلاً لتصلي طبعاً بعد محاضرة طويلة عن وجوب إحترام الأديان فسكت لأنها جوهر إنتفاضة الإستقلال والدولة الجديدة على ما كان سائداً، فمشيت، وسهرنا مع الأصدقاء، وعدنا الى بيروت وأوصلتها الى منزلها، وكوني متعاطي أرز وحرية وسيادة وإستقلال، بت “مستلشقاً” فغفلت على ان اعيد “دعسة” السيارة الى مكانها، فكانت النيجة ان “علقت دعسة البنزين” لتترنح السيارة يمنة ويساراً لتجتاز الشارع بعرضه الساعة الثالثة صباحاً وتصطدم بشجرة نخل مزروعة في وسط الطريق وتستقر في فوهة أحدثتها في حائط ثكنة الحلو! ، وقتها علمت ان بلدية بيروت تشتري النخلة بمليوني ليرة، طبعاً لأنها الزمتني ان ادفع تعويضاً لأنني جرحت شعور نخلة سعودية في وسط شارع بيروتي، يومها فكرت جدياً ان اقلع عن تعاطي الأرز، لكني مجدداً عدلت عن الفكرة لضعف إرادتي، فالإدمان صعب !
بالزمنات، بالـ 2007 ، وقفت في الفرن انتظر المنقوشة، كون المتعاطي “ولو أرزة” يجوع فجأة، ويتملكه حس نبوغ غريب دفعني الى ان أحشر نفسي في نقاش حامي الوطيس بين شخصين ينتظران مناقيشهما ايضاً ويتجادلان (إيجاباً) حول “ناصر قنديل” فرشقتهما بما تيسر من سمفونية بيتهوفينية في التنظير حول إرتباط الرجل بمنظومة بائدة، فما كان من احدهما إلا ان وقدم لي منقوشته، الفارق انها على رأسي، لا في يدي، مدفوعاً بالتخلف، لا بشهامة الأرزة ومناقبيتها وحسن ضيافتها… بدأت بعدها في التقليل من جرعات الأرز وإبر الديمقراطية التي اتعاطاها…
بالزمنات كمان، بالـ 2008 كنت اراسل صحيفة عربية طويلة اللسان، اقنعتني “شمة الارزة” انها منبر للأحرار وتنشر ما لا ينشر! وشرعت انقل الأخبار اليها من بيروت، الى ان وقعت على خبر من النوع “الجامبو” يطال شخصية لبنانية نافذة وفسادها، كتبته، نسقته، قرأته ألف مرة، طبعته، وأرسلته بالبريد الإلكتروني، وجلست انتظر وصول المظروف الذي يحوي على التقدير المالي لبراعتي في السعي وراء السبق الصحفي، وما ان وصل المظروف وفتحته اتوقع تلقف الشيك واصفاره، فلم اجد فيه سوى خطاب إستغناء عن خدماتي، ومع انه طويل جداً، إنما يلخص بكلمتين، “كول خرا”…
بالزمنات بس مش من كثير، بالـ 2009 ومع تقليل جرعة الأرز، وإعتمادي على أصناف اخرى، كالصنوبر، والشوح، واليسار الديمقراطي، كنت “واعي اكثر” ولكن ليس بدرجة كافية، فالتعاطي هو التعاطي، حتى ما ان حلت الإنتخابات النيابية حتى شرعت في تسخير “كيبوردي” والكتابة في موقع إلكتروني 14 آذاري متوقعاً ان اصل الى نصر “أرزوي” يهز الدني (أو يهدها) ويتخلص من رموز النظام واحداً واحداً، فجاءت النتيجة ان فازت 14 آذار، لكن نائب اليسار الديمقراطي بات عضواً في تكتل لبنان أولاً (على ما يبدو كان يتعاطى أرز بكميات كبيرة) وتم التجديد لنبيه بري كرئيس لمجلس النواب، كما إستلم شؤون العباد مستر سعد الحريري…
على فكرة، من وقتها اقلعت نهائياً عن تعاطي الأرز، والصنوبر، والزيتون، والشوح والسنديان، والمناخ المعتدل، والنشيد الوطني والجبل القريب من البحر، واليسار الديمقراطي، والسيادة والإستقلال، وعلمت انه لابد من الخروج من الجو الموبوء كلياً، لا يسار ولا يمين ولا أرزة خضراء ولا حمراء ولا صفراء ولا حتى برتقالية ولاعمى الوان…
مش من زمان، إرتأيت ان انصرف الى الإهتمام بأموري، حافظت لا بل وبت أكثر إيماناً بالحرية، والعدالة، وحقوق الإنسان، وبت اعمل لأجلها بمفهومي انا، لا بمفاهيمها المعلبة، بت ابحث عن عمل، لم اهزم ولم اتراجع، بس كمان لأنو… ما حدا جاع، وأكل أرزة….
–
اترك تعليقاً