لكثرة ما سمعت عن تشكيلة الحكومة العتيدة وخطتها وإستراتيجيتها خيل لي في بادىء الامر ان المؤتمر الصحفي للإعلان عن تشكيلها ستبثه قناة الجزيرة الرياضية حصرياً، وان التشكيلة ستكون 4 – 4 – 2 لا ثلاثينية موزعة، وان عصام الشوالي سيعرض الاسماء عوضاً عن سهيل البوجي وان المدرب زفان غوران اريكسون سيقف متجهماً بدلاً من ميقاتي الفارع الطول وان مدير المنتخب سيكون الكابتن مدحت شلبي لا الرئيس سليمان، فيما يدير جوزيف بلاتر لا بشار الأسد الخبرية من “برا برا” وسط تصفيق الحضور.
قد يكون ما سبق مجرد خيال ساذج، إلا انه طبعاً يحمل من الحقيقة لبها وجوهرها الاكثر سطوعاً ولو خفي على البعض عمق المشكلة وتعاريجها، فالحكومة اللبنانية الجديدة ولدت “مكتومة القيد” بفعل الظروف الإقليمية الضاغطة على الفريق الذي شكلها، إلا ان سائسها اي الرئيس نجيب ميقاتي سيتعين عليه تحمل تبعات عدم إنسجام الحكومة مع نفسها ومع الواقع المرير للسياسة في لبنان، الوقت امام ميقاتي إنحسر بسرعة امام مد الغليان العربي والإقليمي فخرجت الطبخة “مشعوطة” لا تؤكل…
عامل آخر امام سرعة تشكيل الحكومة السريعة العطب هذه هو الحاجة السورية لموقف لبناني رسمي تعول عليه دمشق، أولاً للتخلص من الحريري الملتزم بتعهداته الأوروبية – الأميريكية، ولتدارك خطر إنهيار جبهتها الدفاعية في لبنان ثانياً، فأوعزت للحلفاء بسرعة التشكيل، الأمر يبدو جلياً في تنازل بري عن حصة ما في الحكومة لكي “يسيسر” الموقف امام تعنت جنرال الغبراء في الرابية وهذه هي المرة الثانية التي يجد فيها بري نفسه في موقع المتنازل لميشال عون فقد سبقها المقاعد المارونية في جزين التي طارت من كنف سمير عازار الى الغيتو البرتقالي.
عود على بدء في درب الهزل، فإن الوضع من شدة سوءه بات مدعاة للسخرية والضحك لا البكاء واللطم، فلابد من تفنيد سريع للحكومة ووزراءها، بداية لن نشير الى قوى الحضيض السياسي (14 آذار) فهي مع تحولها (ديمقراطياً) من اكثرية نيابية الى اقلية صدئة لم تنجح في الإرتقاء الى مستوى كاف يسمح بسلخ جلدها (سياسياً طبعاً) في هذه التدوينة، فإقتصر الامر على اول حكومة لون واحد في لبنان، وهو ليس بالأمر السيء، فإن خروج احد اطراف المعادلة وإستئثار الآخر بالحكم يسمح لنا بالمناورة قليلاً عوضاً ان نتلقى الصفع واللطم والتخوين من الطرفين معاً.
من حكايات الهزل السياسي في لبنان ان يطالب رئيس حزب بحصة من قالب الجبنة الذي يتم تقاسمه كيفما اتفق في بورصة الإسراع بتشكيل الحكومة، فطالب بحقيبة إلا انه نال كيساً لأنهم لم يحسبوا له لا قياساً ولا وزناً في بازار التشكيل ولأن المير يعتبر ان وزنه التاريخي كبير كون والده اول من “نف” او مسح شواربه بالعلم اللبناني ابى إلا ان يعرض مهاراته اللبنانية بالتسول داخلاً غينيس للارقام القياسية كأسرع إستقالة في التاريخ قبل مضي ساعة على التشكيل وقبل إستلامه نسخة من دمغة المرسوم.
من حكايا الأراجوزات، ان يتم تعيين محامِ كوزير للصحة (ربما لأنه متأهل من طبيبة) مع العلم ان صاحبتي القديمة كانت waitress ولم اطالب بوزارة السياحة مثلاً ! وصديقي تزوج بعسكرية برتبة مؤهل وإكتفى بالتأهب والإنصراف الى السرير دون ان يطالب بوزارة الدفاع.
من التشكيلة الحكومية المخيفة ايضاً ان تسلم الوزارة الأكثر حساسية من ناحية حقوق الإنسان الى ضابط متقاعد برتبة عميد احيل الى التقاعد لبلوغه السن القانونية العام 2005 مما يدفعني كناشط حقوق إنسان الى السؤال عن مستقبل حرية الرأي والتعبير والتظاهر في البلاد!!! و خذوا على سحسحة بكرا …
بخصوص الصناعة؟ والشفافية والتنفع؟ والوزير القادم اليها هو رئيس مجلس إدارة شركات صناعية هي على سبيل المثال لا الحصر (فرسو لبنان، كتلس، فرسو قطر، صابونجيان، فرسو اوف شور، فرسو إنترناشونال، برولاين كوربورايشن، التاج،…)/ طيب وزير الدولة التي تورد سيرته الذاتية (البروباغاندية) التي وزعت على الصحفيين ما حرفيته “عاش طيلة فترة الحرب اللبنانية مدافعاً عن وطنه وعن أبناء الوطن منادياً بسيادة واستقلال لبنان. فقاطع الإنتخابات النيابية التي جرت عام 1992 إنسجاماً مع مبادئه ومع الرأي العام اللبناني عامةً والمسيحي خاصةً. خاض غمار الإنتخابات النيابية للمرة الأولى في العام 1996 ثم في العامين 2000 و 2005. ومع أنه لم يوفق في دخول الندوة البرلمانية إلا أنه لم ينقطع طوال هذه السنوات عن ممارسة العمل السياسي وخدمة أبناء منطقته” فهل هذا يعني ان الوزير سيخدم طائفته ومنطقته فقط؟ سيزفت الطريق؟
طيب، وبخصوص وزير الشؤون الإجتماعية ومدى إدراكه للحاجات الإجتماعية وهو المختص بإدارة الأعمال، وهنا اعتقد ان الصواب لم يجانبني فنسيت ان الشؤون الإجتماعية هي strictly business ! ، أسأل عن وزير دولة مؤهله الوحيد هو انه قريب رئيس الحكومة! وعن وزير مالية مليادير سيعيد تجربة السنيورة ويخرج زلياردير، وعن وزير (وحزبه) كانا قبل إسبوعين يهتفان لإسقاط النظام الطائفي فإذ بهما يصبحان “رموزه”…
كالعادة، التشكيلة الحكومية اللبنانية القائمة التنفع والتراضي وتقسيم الحصص على حساب اللبنانيين ستنهار عند اول إمتحان، ولن تعمر طويلاً…
بالأمس سهرت مع صديق مصري على شاطىء بيروت، قال لي “لبنان بلد جميل، حرام ما تفعلوه بأنفسكم، اعدموا كل السياسيين..”
مبروك للبنانيين، فقد رحل حرامي السوليدير، إلا اننا مقبلين على عصر حرامي السلليولير، حكومة وحدة وطنية بإمتياز، وحدت لأول مرة الوحشين السياسيين الكذابين في لبنان، إنما وحدتهم على الإمتعاض منها، 14 لأنهم خارجها، و 8 لأنهم غير راضين على محاصصتها…
على فكرة، كدت انسى، الحكومة تبدو كصحراء قاحلة في ظل غياب الوجوه النسائية، ولابأس، فهذه اقل المصائب، فهي كسابقتها لا نرى فيها اي رجال أساساً…
اترك تعليقاً