لم يعد يخفى على احد، وبعيداً عن الدراما الثورية العربية المتجددة، ان ما يحدث في سوريا اليوم يفوق مد الإحتجاجات الشعبية ويتخطاها الى حدود الثورة العارمة ضد عقود من القهر والتسلط الأمني والسياسي والإقتصادي للبعث السوري الذي ابتلع البلاد والعباد منذ الإنقلاب الشهير للفريق حافط الأسد وصولاً الى عهد بشار الإبن، والأدهى القول عهد بشرى الأسد وآصف شوكت وجامع جامع ورستم غزالة وغيرهم ممن أرتحلوا عن هذه الدنيا منتحرين بخمس او ست رصاصات في الرأس !
لم يعد يخفى على اشد المحابين لسوريا والمدافعين عنها من مقبلي ايادي الأسد ان الأمور لن تستكين في سوريا وان الشعب السوري قد وجد طريقه وتحرر من الخوف وعقدة “الداخل الى فروع الأمن مفقود والخارج منها مولود”، حتى ان البعث ذاته يحاول جاهداً ان يمتص تلك النقمة الشعبية عبر حزم إصلاحية لن تقدم ولن تأخر السقوط المدوي للنظام القديم على يد الهياج الشعبي المتعطش للقمة تغييرية تؤسس لنظام سوري جديد يعيد لسوريا الأمل ولمواطنيها الكرامة، مواطنين ماضين في قصد السبيل حتى ولو استلزم ذلك سحب تلك اللقمة من فم الأسد.
اليوم، لم يتبق من سوريا الممانعة غير هيكل مهترىء تناهشته عزلة دولية وعربية شبه شاملة ، فأي ممانعة يمثلها هذا النظام وهو اضعف من خوض اي مواجهة مع اي عدو بسلاحه السوفياتي الصدىء، سوريا اليوم بنظامها هي بالونة منفوخة فارغة من المحتوى والمضمون ليس بيدها إلا وريقات بسيطة، حماس، حراسة حدود الجولان، وحزب الله، تتوكل وتتوسم الدعم الإيراني الذي بات العون الوحيد لذاك النظام إضافة الى بعض احجار الداما التي تحركها سوريا في لبنان، وهنا السؤال عن كيف امكن لسوريا وهي بهذا الضعف ان تبقي على نفوذها في لبنان واستعماله كساحة خلفية تسوي فيها خلافاتها الإقليمية والدولية؟
منذ ان قوي عود البعث السوري وخفت بريق لبنان كبلد سباق في المنطقة باتت استباحة لبنان من قبل هذا النظام امر محتوم، فلبنان الذي تتناهشه الطوائف والأحقاد المتبادلة بدا وكأن “حيطه واطي” قليل الحيلة، يستنجد فرقاءه السياسيين بالقريب والبعيد حفاظاً على إرثهم السياسي المناطقي، علاوة على الخطأ التاريخي للعرب وعلى رأسهم الديكتاتور المصري جمال عبد الناصر في تصنيف لبنان كبلد مواجهة لا بلد مساندة في الصراع العربي الإسرائيلي فكان دخول الفدائيين الفلسطينيين الى لبنان وإعتماده قاعدة إنطلاق للعمليات ضد العدو في الوقت الذي إستكان العرب اجمعين وبقي لبنان وحده الساحة المفتوحة لمواجهة إسرائيل وهو الأقل قدرة بينهم اجمعين واولهم سوريا على تحمل تبعات تلك المواجهة منفرداً.
عندما إستعرت الحرب اللبنانية تقلب السوريين في المواقف كثيراً ما بين دعم ما سمي بالجبهة الوطنية (يمين) و الحركة الوطنية (يسار) وبرز الدور السوري أكثر عبر العمل العسكري المباشر كقوات الصاعقة الفلسطينية إلا انهم مالوا في النهاية الى حسم موقفهم الى جانب قوى الحركة الوطنية ولو فوتوا عليهم اكثر من مرة فرصة الحسم العسكري وإنهاء الحرب في لبنان.
على اعتاب نهايات الحرب اللبنانية كان السوريين قد خاضوا صراعات عسكرية على الأرض اللبنانية مع العديد من الفرقاء على الأرض اللبنانية من فتح وعرفات الى القوات اللبنانية وحتى حزب الله الذي خاض معارك طويلة ضد السوريين في ضواحي بيروت.
على اعتاب نهاية الحرب اللبنانية ايضاً كان الحسم السياسي عبر إتفاق الطائف والتحالف مع حبيقة وتكريس العداء مع سمير جعجع، والحسم العسكري مع ميشال عون، وتسوية كبيرة مع اميركا في حرب الخليج، وتسوية عربية أكبر كأول (سين – سين) سورية – سعودية، أنهت الحرب اللبنانية دونما اي مراجعة لما حصل في ظل تغييب سياسي للعدالة الإنتقالية، وتكريس العداء التام مع قسم كبير من اللبنانيين، وخلاف مع من سيصبح في المستقبل الحليفين الأقوى لسوريا في لبنان، حزب الله وميشال عون.
–
في الجزء الثاني: كيف حكمت سوريا لبنان من 1990 الى 2005؟
عماد بزي، ناشط لبناني مقيم في القاهرة
–
اترك تعليقاً