لطالما كان التلفاز رفيق والدتي الدائم منذ ان استبدت بها السنون وفرضت عليها ان تلازم المنزل، لاتخرج منه إلا لزيارة قريب، او لإبتياع حاجيات المنزل اليومية، فبات وعائلته المؤلفة من 3 اشقاء مرافقين دائمين للحياة اليومية ومفرداتها، في غرفة الجلوس، في غرفة الضيوف، و في غرف النوم، على ان احبهم الى قلبها هو ذاك المثبت في المطبخ الذي يؤنس وحدتها كما تقول، كوننا اي الأولاد جميعاً كما اقراننا، قد إخترنا ان نمخر عباب الغيم مسافرين الى اصقاع الارض بحثاً عن فرص عمل افضل، فيما انا (آخر العنقود) اجبرت على الخضوع أخيراً لنداء السفر لأسباب عديدة اقلها ان تعايشي مع النظام اللبناني وأشاوسه وقبضاياته الطائفيين والمسلحين بات من سابع المستحيلات.
التلفاز الذي تنوعت موجاته عبر كر السنون متقلباً من المد الشيوعي وتسجيلات مرسيل خليفة، الى تلفزيون لبنان وابو سليم، الى ليالي الـ LBC الملاح ومسلسلاتها المكسيكية، وصولاً الى الدراما التركية السورية وأخيراً ربيع الثورات العربية حيث تسمرت القنوات على الموجات الإخبارية تلاحق الأمل في عيون شعوب إختارت اخيراً ان تدرك ان التغيير مسألة قدرة، لا إحتمال…
خلال زيارتي الأخيرة لبيروت، جلست احارب الأرق وعبثاً انشد النوم فيما صوت التلفاز يقض مضجعي الى ان تناهى الى مسامعي المسلسل التركي المدبلج باللهجة السورية حيث السيدة التي تشكي زوجها “ولك حكم قراقوش مو هيك” وبما ان حكم قراقوش لا يقتضي ايضاً بحرماني المزمن من النوم طفقت اتقلب في السرير واغوص في التحاليل عن الأحكام “القراقوشية” ومدى مظلوميتها للناس واذوب في التفكير من لبنان الى سوريا الى مصر والسعودية والبحرين، لكن مهلاً، هناك خطأ تاريخي مخيف! هل حقاً الأنظمة العربية هي مثال على حكم قراقوش؟ يا ريتها كانت كذلك!!
قبل تحليل مظلوميات الشعوب العربية وبلاءها المزمن بحكامها، لابد أولاً من إنصاف قراقوش نفسه، قراقوش هذا وهو إسم تركي الأصل (قره قوش) او الطير الأسود لشخص إسمه الحقيقي بهاء الدين الاسدي، كان قراقوش هذا مثالاً للجندي المنضبط المحب لوطنه، ولما احس العزيز الأيوبي بدنو أجله اوصى بالحكم من بعده لأبنه المنصور الذي كان صغيراً جداً، فأوصى بأن يحكم قراقوش مكان المنصور الى ان يصبح قادراً على إستلام الحكم، في عهد قراقوش عمرت البلاد وخفضت الضرائب، في عهد قراقوش قامت اول تظاهرة مطلبية، لم يطلق عليها النار (السهام في حينه) ولم يطلب من الإنكشارية (الشبيحة في عصرنا) ان يفتكوا بكل ما يتحرك، بل إستمع للمظالم وقام بما يلزم، نعم هذا هو قراقوش! فمن الذي صوره على ابشع الصور وجعله قبلة المظالم ومضرب مثلها؟
أنها الآلة الإعلامية! نعم، الآلة الإعلامية، أيام قراقوش كان هناك شخص اسمه “ابن مماتي” تخصص في تشويه صور الناس (أشبه بناصر قنديل وباقي زمرة التهليل العروبي المهترىء في زماننا اليوم) جعل من قراقوش مجرماً تاريخياً، تماماً كما اساء المتنبي الى كافور وصوره كسفاح قاتل، الألة الإعلامية المضادة ذاتها لاتزال تعمل بذات الإستراتيجية، زمان كان هناك الشعر والمجالس لتمرير الكذب، اليوم هناك تلفزيونات توالي الأنظمة، ابن مماتي العصر يظهر دوماً على الشاشات المشبوهة ليكذب ويشوه نضالات الشعوب وحركاتها التحررية تحت مسميات واهية، من جعل من قراقوش العادل ظالماً لن يتوانى عن تصوير بشار الأسد ملاكاً…
مظلوم الشعب السوري، تماماً كما ظلم قراقوش!
خلاصة الربط بالواقع، الثورة في سوريا ثورة شعب اهلكه العوز، قصم ظهره القتل والتنكيل، مل من الآلة التجييشية الكاذبة خلف ستار الممانعة الواهية، الشعب السوري اقوى من آلة البعث وحلفاءه في لبنان، اقوى من زمرة المهللين لأسد الشام و أرنب الجولان…
ايها اللبنانيون، لأول مرة اليوم تصح مقولة شعب واحد في دولتين، فالقاتل واحد، كفى تصديقاً للآلة الإعلامية اللبنانية التي تشوه الحقائق، الشعب السوري يريد الحرية، الشعب السوري يريد حكم قراقوش!
–
اترك تعليقاً