ما إحتملت يوماً ان أشغل وظيفة لأكثر من عام واحد، حتى بعد ان انهيت دراساتي وإنطلقت في دنيا الكفاح الإنساني حسبما يسميها والدي، في وقت عزا البعض هذا الأمر لشخصيتي التي لاتحتمل تلقي الاوامر، اصر شخصياً (اللهم لا غرور) على كوني دائماً اكبر من الدور المعطى لي واكثر قدرة وإقناعاً من القبول بدور محدود فيما انا قادر على فعل المزيد، والدليل على ذلك موقعي الحالي الذي لاشك وانني سأشغله لوقت ليس بقصير أبداً.
تنقلت كثيراً في الوظائف وقلبتها، من بائع بسيط قبل الدراسة الى الحقل الطبي الذي ما استهواني يوماً فرميته وشهادته جانباً، الى إدارة البرامج الإلكترونية، وصولاً الى إفتتاح مقهى إنترنت إنهار خسارة مدوية على رأسي، فتوجهت أخيراً الى المكان الذي استوجب ان اكون فيه منذ البداية وهو منظمات المجتمع المدني عاملاً في كبريات منظماته حتى الساعة، عن هذا التقلب يعيرني اصدقائي انني ما استطعت يوماً ان اجمع كميات من المال ولا إقتنيت سيارات فارهة ولا اقمت الليالي الملاح كما فعل من توجه من اقراني الى “البيزنيس” الذي لا يستدعي تشغيل الرأس بل قليل من التزلف والكثير من طاعة الأوامر وتقبيل اللحى.
في لبنان كثيرة هي “الطياز النقالة” منها ما هو شغال ومنها ما هو فاشوش، هناك كم هائل من “الطياز النقالة” التي تلونت على سبيل المثال من تقبيل يد الإسرائيلي الى تقبيل يد السوري الى الأميريكي الى الإيراني ولاتزال على حالها تتلون وتتلوى كالأفعى محافظة على مستوى معين من الزعامة السياسية والإقطاعية والطائفية والمناطقية مستفيدة بقوة من قلة الإدراك الشعبي اللبناني لمفاهيم عميقة بدأت مبتورة بغياب العدالة الإنتقالية بعد الحرب الأهلية اللبنانية، واكملت بتنصيب اصحاب “الأطياز النقالة” ولاة على البشر والحجر، ناهيك عن الولاء الأعمى (أحياناً دون قصد) للزعماء ورؤساء الطوائف ما يغيب ايضاً الشفافية والمساءلة الحزبيتان، فرئيس الحزب او زعيمه عادة ما يكون قد تمكن من بناء قاعدة إلهية تمنع مؤيديه من التفكير حتى بمحاسبته إن إنقلب من موقع الى آخر.
في لبنان بالتحديد تغيب عوامل المحاسبة على “النقلات” لأن الذاكرة الجماعية اللبنانية تعاني من قصور رهيب، إذن إن كنا سنتكلم عن الطياز النقالة التي تبقى شغالة من افضل من غاندي الجبل المزعوم وليد جنبلاط ليطل كل فترة بأهزوجة مضحكة من حكايات الإنقلاب من موقع الى آخر وآخرها نكتة المطالبة بعدم إقرار قانون إنتخابي على أساس النسبية التي لطالما تلون بلون المدافع عنها (او نسينا؟) مفضلاً ما أسماه الديمقراطية التوافقية التي تضمن له بقاءه في موقعه قابضاً على أنفاس مناصريه والجبل والطائفة الغالبة فيه.
كشفت اوساط رئيس جبهة “النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط بأن “الزعيم الدرزي لا يريد ان تذوب الاقلية الدرزية في الاقليات الكبيرة في البلد، وهو يريد ان يكون نائبا عن جماعته”.
ولفتت الى انه اذا “اقرت الحكومة قانون النسبية للانتخابات، فإن جنبلاط سيسحب جميع وزرائه من الحكومة”.
واعتبرت في حديث الى صحيفة “الديار”، أن “جنبلاط لن يفتح معركة على الكهرباء ولن يفتح معركة كبيرة على التعيينات، لكن معركته الكبرى ستكون على قانون الانتخابات (ليبانون فايلز)
ثم ان القصة بلغت حد الطفولية و “الولدنة” ! شو القصة هاليومين؟ كل ما حدا قالوا له لأ بهدد إنو بيبطل بدو يلعب؟ وإنو مشولي الإنتخابات بمشيلكن الكهرباء والتعيينات؟ فعلها طلال إرسلان يوم التوزير، وميشال عون وصهره قبل يومين مهددين بإسقاط الحكومة، واليوم جنبلاط! شو الشغلة لعبة؟؟؟
ويبقى السؤال، إن كان “النضال الوطني” يستدعي إلغاء النسبية لصالح ان تكون حضرتك نائباً عن جماعتك، فكيف سيكون “التخاذل الوطني” ساعتها؟
–
اترك تعليقاً