ما ابدع وابلغ من الأدب الشعبي والعامي اللبناني ليوصف حال الشعب وصفاً دقيقاً تعجز عنه اللغة العربية الأصيلة بكافة تقاسيمها الأدبية واللغوية، فيبقى ادب الناس بالناس ممراً للكلام الرقيق الذي يخدش الحقيقة ويترك الباقي لحكم الناس يتناقلوه ويتقاذفوه في السمرات وعلى المصاطب، حكايا وخبريات لبنانية متصالحة مع ماضيها.
في البحث المستمر عن كتابة الحقيقة و “النق والتنقير” على رأس المفسدين في البلد سعياً نحو التغيير لابد من ان تلامس حال المواطن اللبناني بشكل يومي، غالباً، مهما عاندت القلم وعاندك، ومهما غالبت السطور وغالبتك، ومهما قلبت الصفحات وقلبتك، لابد من الرجوع الى أدب الناس بالناس لتستشف الواقع المرير، فخلف المثل الشعبي اللبناني خفايا وثنايا لابد من تفسير لها ينطبق على حال الشعب.

تاكسي الأمس من وسط بيروت الى السوديكو حمّلني امثولة جديدة تضاف الى موسوعة الأمثلة التي لابد من ان اجد مرادفاً سياسياً لها، وما هي إلا هنيهة حتى جاء الرد صاغراً، يقول “أبو فادي” سائق التاكسي ان اقسى الأمور في الحياة الدنيا، ثلاث” ظلم الحكام، وكيد النسوان، وعناد الرهبان” ، فالحياة قست عليه بالثلاثة، فهو حسب تعبيره “معتر” لأن الحكام ظلموه في شيخوخته التي لايضمنها احد في غياب ضمان للشيخوخة، فالرجل لا يملك اللوحة العمومية التي يقودها، كما ان “كيد النسوان” يقتله، فلديه إمرأة حسودة تطلب منه الكثير غيرة من جيرانها وهو الذي بالكاد يستطيع ان يؤمن ثمن قوته اليومي فهجرته، فيما حال الرجل مع الرهبان ليس افضل، فهو حاول ان يطلق زوجته مراراً على ان الكنيسة وقفت في وجهه فزاد بلة طينه النفقة… فبات يفكر بالهجرة.
وصف الرجل الذي ينطبق على حياته “ظلم الحكام، وكيد النسوان، وعناد الرهبان” ينطبق بمظلوميته وقساوته على اللبنانيين جميعاً، الا ان المضحك فعلاً هو ان تستطيع، و لفرط يأسك، ان تركب خلال نصف ساعة فقط من مشاهدة التلفاز مظلوميات ثلاث تطابق ظلم الحكام، وكيد النسوان، وعناد الرهبان.
ظلم الحكام، ولا ابشع، خاصة إن طالعك على التلفاز تقريراً يعلن وبكل صفاقة ووقاحة عن عودة الذراع الأمني المخابراتي للدولة اللبنانية ليصفع وجه الحريات صفعاً، ويوجه طعنة في صميم الحقوق البديهية للفرد، الحقوق المهدورة ذاتها هي ما افضى الى تراجع لبنان من شبه الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، الى الديكتاتورية الأسوأ فيه… ، مجدداً يعلن التلفاز وبوقاحة تامة عن قرب تدشين وزير الداخلية (العميد العسكري المتقاعد) غرفة التحكم الاعتراضي في وزارة الاتصالات التي انتقلت الى عهدة وزارة الداخلية، بما معناه ان الإتصالات بين اللبنانيين ستصبح أكثر عرضة للمراقبة والإعتراض بشكل علني، وبالطبع بشكل أسوأ من السابق، اي ان الحياة الشخصية، والإجتماعية والخاصة وحتى “السايبر سكسية” للبعض ستصبح متاحة بالكامل للعنصر الأمني القابع داخل تلك الغرفة المظلم يمارس ابشع انواع التلصص على البشر والحجر بحجة او دون حجة، فالتجربة خير برهان ان الأمر سيساء إستخدامه ويوظف لخدمة النافذين لا لخدمة الأمن والعدالة، سيتلصصون على رجال الأعمال، والبنوك، وينهلون من بحور التسجيلات الصوتية ما تيسر من مواد إبتزازية تتيح للطبقة السياسية البالية واعوانها سيطرة اكبر على مقدرات البلد وخيراته وجيوب مواطنية الخاوية، بذريعة الأمن والعدل وحماية البلد من الجواسيس، سيلعبون بأنفسهم دور الجاسوس الذي سيحصي عليك أنفاسك في سريرك، وكأن الجاسوس الحقيقي من الغباء لدرجة ان يستخدم الشبكة اللبنانية لتمرير معلوماته الى عدو او ما شابه! وللأمانة فقط حتى لا يؤخذ الامر على انه ضد شخص الوزير فقط، فالقرار كان قد اتخذ في عهد ما اصبح سفير لبنان في فرنسا، الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري. مشكلتنا، ومشكلتي الشخصية مع الوزير أعرضها لاحقاً، مشكلتي الآنية ان حقوقي، وحقوقك، وخصوصيتي وخصوصيتك باتت في الحضيض، بت مضطراً للدفاع عن خصوصية إبن الجيران الذي يؤرق نومي وهو يغازل صاحبته في أمسيات طويلة على “البلكون” عبر الهاتف وصولاً الى… او بلاها عيب..
كيد النسوان…، ومع تحفظي على المدلول العنصري والتمييز الجندري المقصود بها، على انها تحمل الكثير من الحقيقة، ايضاً، مشاهدة التلفاز تثبت ما يمكن لكيد النسوان ان يفعل، فالسيدة كلودين عون تمارس كيد النسوان على العائلة العونية بأكملها حتى باتت شركتها الإعلانية المسماة كلمنتين (أفندي بالعربي) وكيلاً إعلانياً للوزارات التي يتولاها العونيين مدعي الإصلاح والتغيير، فيما الأمر لا يعدو كونه “بيزنس للعائلة” ( تماماً كما كانت ساتشي آند ساتشي متعهدة إعلانات 14 آذار) السيدة عون لابد وانها طالبت وبصوت عالِ وتجهم نسائي وقليلاً من “الصريخ” والعناد و “قلب البوز” بحصة من تولي التيار مقاليد الوزارات، بداية بإعلان “كلنا فريق واحد” وصولاً الى حملة جبران باسيل “ليبانون-اوف” حتى حملة الوزير نقولا صحناوي لزيادة سرعة الإنترنت، فبدلاً من ان تلزم الحملة الإعلانية الى الشركة الأقل كلفة أو الأكثر إبداعاً، تطل علينا شركة السيدة كلودين عون وشريكها العوني سامي صعب بإعلان تافه للغاية، يستطيع مطلق مستخدم كومبيوتر ان يصمم افضل منه على برنامج “موفي مايكر” المتوفر على كافة الأجهزة، ولن نسأل هنا عن تكلفة الإعلان، المهم ان السيدة عون مارست “كومبيناً” عائلياً كيدياً نسائياً بإمتياز افضى وبمحض الصدفة ان تتولى شركتها “كلمنتين” إعلانات الوزارات البرتقالية!!! (إضغط هنا لمشاهدة الإعلان)
عناد الرهبان يتجلى بأزهى حلله في الصراع السياسي القائم في قلب الكنيسة المارونية، فيبدو ان عدوى التقلب السياسي قد نالت من البطريرك الماروني، فأضحى لايقيم وزناَ لكل ما يعانيه الشعب السوري مغازلاً بصفاقة الأسد ومحبية في لبنان، لينتقل بسحر ساحر وبحسب تصريحات السياسيين، ومن بعدها تعليقات الفايسبوك من مجرم الى قديس! من “ستاتوس” جابوا اوسخ قواتي بطريرك، الى “ستاتوس” لذات الشخص يمجد مواقف بطريرك التسامح والمحبة والألفة الذي داس ارض بنت جبيل بطلاً مكرماً، لا يتدخل في السياسة بل يقيم وزناً للدين ويترك السياسة لأهلها، والسؤال هنا، لو كان موقف البطريرك بشارة الراعي مغايراً (كما كان قبل شهر واحد) هل كانوا ليحابوه او يشتموه لتدخله في السياسة؟ يعني إحترنا يا قرعة من وين بدنا “نكجك”…
ولوو يا أبو فادي؟ كلنا بالهوا سوا، إن كان الحل برأيك هو الهجرة، فأين سنذهب بأربعة ملايين لبناني حالهم كحالك، كل يوم، وكل ساعة، وكل دقيقة… يظلمهم الحكام، وتكيدهم النسوان، ويعاندهم الرهبان!
اترك تعليقاً