ثمة خبرية تقول ان سجن رومية أكبر سجون لبنان يشبه هذا البلد الى حد كبير، ففي رومية تجتمع الأضداد، فيه البريء، والمذنب، فيه الظالم والمظلوم، فيه القاتل والمجني عليه، كما فيه المسيحي والمسلم، والطرفة سجين لبناني من الطائفة اليهودية! يجمع سجن رومية في ثناياه ظلماً داخل ظلم، وكأن العيش في وطن السجن الكبير ليس كافياً ليؤدب أكثر المذنبين اجراماً، في رومية لا كهرباء ولا طبابة ولا من يحزنون، في لبنان لا كهرباء ولا طبابة وكثرٌ يحزنون. في قلب رومية تغيب العدالة لتحل معها شريعة الغاب والبقاء للأقوى والأكثر سطوة ومالاً، الأكثر قدرة على شراء الذمم، ولاداعي للشرح كيف ان لبنان يعيش الدوامة ذاتها مع طبقة سياسية تنحة تفرض الغاب سنة حياة.
سجن رومية الصغير يجاري وطن السجن الكبير في كل شيء، يستنسخه بأدق تفاصيله، ظلم ، رشاوى، محسوبيات، إفتراء، سياسة، إهمال ، سمها ما شئت، كلها في رومية، إن كان اهل السياسة في لبنان السجن الكبير كذابين منافقين بالمطلق، ضاربين عرض الحائط بمصلحة الوطن ككل، ما الذي سيدفعهم الى الإهتمام بزاروب ضيق إسمه سجن رومية؟ لاشيء، اللهم إلا ان تبين لهم لاحقاً ان سجن رومية يقبع فوق مغارة من الذهب السياسي الخالص يمكن إستخدامه في الإستعراض التلفزيوني او إدعاء الإنتصار.
عن رومية
سجن رومية مسمى على إسم المنطقة التي يوجد فيها، بني في آواخر الستينيات ليبدأ في إستقبال الوافدين اليه في السبعينيات، يتسع رومية في حده الأقصى لـ 1500 سجين وهذا ما يسمى بالسجن المكتظ، فكيف ان علمنا ان سجن رومية فيه أكثر من 4800 سجين مع ان هذا العدد غير دقيق بفعل الداخلين اليه يومياً مفقودين والخارجين منه مولودين.
خبريات مساجين رومية:
سجن رومية يحوي الكثير من الخبريات، منها ما هو مضحك لشدة غرابته، ومنها ما يدمي القلب.
محمود، (إسم حقيقي) اقدم نزلاء رومية ، دخل السجن صبياً العام 1974 بتهمة التسول! بعد فحص سريع، تبين انه يعاني من الذهان فحكم عليه بالبقاء في السجن حتى الشفاء، ما يعني انه باق هناك حتى موته، فليس في رومية مستشفى تعالج الأمراض العصبية، بل بيئة تودي بألمع العقول الى مس الجنون.
في رومية حسين،(إسم حقيقي) طفل عمره 12 عاماً، كان يلهو مع صديقه، قذفه بحجر فخر على الأرض ينزف، خاف الطفل ودون وعي رماه في بئر القرية بفعل الهلع، على فكرة، حسين لايعرف ما جنته يداه.
انطوني (إسم مستعار) إكتشف خيانة صديقته في الثانوية، هددها بإبلاغ أهلها، فدست مع عشيقها في دراجته النارية كمية من حشيشة الكيف وأبلغوا عنه، قضى في رومية 4 اشهر، ليخرج بريئاً، بعد فوات الأوان، كان قد تعلق بالمخدرات فعاد اليه مدمناً.
رهيف، مدمن مخدرات، إشتكت عليه والدته لتخلصه من إدمانه، لم يجد سريراً في مستشفى، اودعوه في رومية، فمات
سجن رومية ليس للعلاج، المدمن والمصاب بعوارض نفسية مكانه المستشفى، لا السجن، مرتكبي الحماقات الصبيانية لا يختلطون مع تجار المخدرات والقتلة حتى لاينهلون الإجرام ثقافة حياة!!
سمير، مراهق عضه العوز، فإمتدت يده الى “الكاشيير” حيث مكان عمله، دخل السجن، استهواه احد المساجيين من ذوي النفوذ، فأغتصبه، وحوله الى “عاهر” للإيجار بالليلة لمن يدفع!!
رومية والفساد:
يتقاطع رومية السجن الصغير مع لبنان السجن الكبير في شيء آخر، غير الظلم، الشهية اللبنانية الفتوحة للمال والفساد، في رومية كل شيء مسموح، لقاء المال يحضر الهاتف الخلوي، المخدرات، السكاكين، والسؤال من يحضر هذه الأغراض الى السجن؟
الجواب يأتيني من محمد عبر البلاكبيري من داخل رومية، الحراس! هم من يأتونا بكل شيء لقاء المال… الحراس يأتون بالهواتف، بشرائح الإتصالات، بالمخدرات لمن يرغب بها..
ابو عبير ايضاً من داخل رومية عبر الهاتف، مازحت يوماً احد الحراس، سألت ان كان بأمكانه ان يحضر فتاة لي لأمارس معها الجنس، قال نعم لقاء خمسة آلاف دولار، لو كان معي خمسة آلاف دولار ما كنت لأدخل السجن.
محمد الذي يعمل مع احدى الجمعيات الإنسانية داخل السجن يقول ان حتى الطائفية موجودة هنا، سجناء فتح الإسلام دخلوا الى قاعة الصلاة، وهي مشتركة، لم يرحلوا حتى تأكدوا من تحطيم كل رموز المسيحية من ايقونات وصور واناجيل، كل شيء، هؤلاء يتمتعون بحصانة ومعاملة خاصة!
ابو عبير يزعم ايضاً ان الأحزاب اللبنانية لديها مؤيدين في رومية! فيهتم تيار المستقبل بالسجناء الإسلاميين، فيما تتولى حركة امل وحزب الله دعم بعض المسجونين بقضايا المخدرات من آل زعيتر وبعض العشائر البقاعية، ضابط معروف بتأييده للقوات اللبنانية، صفع احد المساجين لأنه عوني، ولما استبدل الظابط لاحقاً صدف ان كان بديله كسروانياً عونياً، حمل الرجل على اكف الراحة فبات من القوة حيث صفع كل القواتيين!!!
يعاني رومية من قلة العديد والعتاد، فيتم الإستعانة بالسجناء انفسهم للحراسة والتفتيش!!!
كافة الصور المرفقة من داخل سجن رومية، اتحفظ عن مصدرها وعن مصدر الفيديوهات في التدوينات القادمة لحماية المصدر
الحياة في رومية
بحسب محمد الحياة في رومية ملل، تنام طوال النهار، لتتصل بالعالم الخارجي طوال الليل عبر البلاكبيري. بقيت على تواصل مع محمد لأشهر عبر الفايسبوك، لاشيء يشير الى انه في رومية، يحدث “الستاتوس” بإستمرار، مغرم عبر الإنترنت، يرفع صوراً، يحادث الأصدقاء، لو لم يخبرني بأنه في رومية لما شككت في ذلك ثانية واحدة.
في رومية يوميات أخرى، مساجين لا يجدون مكاناً ينامون فيه، ينام البعض وقوفاً، يلتحفون البرد في الشتاء، يتقلبون في فرن الظهيرة صيفاً، لا إستشفاء، لا هواء نظيف، نفايات مكدسة، خلاصة القول، رومية مكان لا يليق ان يكون زريبة، فكيف يوضع خلف قضبانه بشراً يتمتعون بالكرامة والإنسانية؟
الإحتجاجات وإجرام الأمن
خلال التمرد الكبير في سجن رومية، صدف ان قضيت الليل كاملاً امام السجن برفقة مراسل تلفزيوني، وصديقة مراسلة ايضاً، كانت حملة إسقاط النظام الطائفي في اوجها، بتنا وكأننا لا نفترق، نخطط، نتحادث، نحلل، إخترنا تلك الليلة ان نبق سوياً امام رومية، عشرات الآليات العسكرية تدخل، عشرات الجنود المدججين بالسلاح، احدهم خرج وكأنه خارج من بالوعة صرف صحي، سألته ماذا حصل، قال بفخر، إنتهى التمرد! كيف؟ فرمناهم!!! بعدها بثوان، خرجت من رومية عشرات عربات الإسعاف تنشد مستشفى ظهر الباشق، محملة بأشلاء وجثث ومرضى ثاروا لأنهم احسوا بالذل، لم يعد بإستطاعتهم إحتمال ذل الحياة اليومية في رومية…
واحد اطلقوا عليه عيارات نارية، الثاني رموه مباشرة بقنبلة صوتيه، آخر وعدوه ان يسلم إن سلم، وما ان خرج حتى إنهالوا عليه بالضرب بوحشية منقطعة النظير.
من نجى من سوء المعاملة في رومية مات بسبب الإهمال، شادي “ما سقط” شادي ببساطة مات! مات لأنه بقي لساعات ممسك بقضبان الباب يرجو الحراس ان ينقلوه الى الطبيب لأنه يعاني من آلام في الصدر، بدأ بالصراخ، ثم التوسل، ولما لم يجدي ذلك نفعاَ بدأ بالسباب ولم يتوقف حتى توقف قلبه داخل الزنزانة، نعم، تركوه يموت. شادي ليس وحده، هناك 63 حالة وفاة في رومية بسبب الذبحة القلبية، كم منها تجاهلها السجان لأنه على قناعة ان المسجون “أخو شرموطة” وكذاب ؟!
رومية سجن صغير، داخل سجن أكبر، نزلاءه يطويهم النسيان، لماذا؟ لان المحكمة الدولية اهم منهم ومن معاناتهم، ولأن الكرامة الوطنية تختصر حصراً بكلاشنكوف المقاومة…
إن دخل احدكم يوماً سجن رومية فحذار، إن لم يقتلك الأمن، قتلك المرض، وإن لم يقتلك المرض سيقتلك الذل، وإن لم يتقتلك الذل سيقتلك المجتمع الذي يسمع يومياً بما يدور في رومية ويغض الطرف، لا عين تقشح ولا قلب بوجع، إتفوووو
(هذه التدوينة مقدمة عن مجموعة من الحقائق تكشف تباعاً من داخل سجن رومية بالصوت والصورة)
اترك تعليقاً