ايها اللبنانيون، لابد من تلقينكم درساً في التاريخ، والتنظير عليكم بما اوتيت من فراسة، لأن التاريخ الذي تحفظونه بمعظمه كذب وتفشيخ وقد مراجل… منذ ان ينعم عليك والديك بدخول المدرسة، وفي اليوم الذي تستل فيه كتاب التاريخ من الشنطة المدرسية يبدأ تلقين فن الكذب والضحك على الذقون، وهو ما يفسر صراحة حقيقة الشعب اللبناني الذي تحول بمجمله الى محللين سياسيين، اربعة ملايين محلل سياسي في لبنان، يخزي العين بخرزة زرقاء…
كتاب التاريخ ما غيره، يبدأ بحكايا البطل اللبناني فخر الدين المعني! ومآثره في محاربة العثمانيين وبسط الأمن في ربوع لبنان ناهيك عن الضرائب العادلة وتشجيع زراعة دودة القز لإنتاج الحرير، منيح.. لكن الحقيقة المرة التي يرفض اللبنانيون تصديقها ان الحيوان الذي إجتر كتاب التاريخ من اساسه داعر وكذاب! لماذا؟ نبدأ كما الكتاب، أولاً فخر الدين هذا امير إقطاعي، زعيم يعني مثل زعماء السياسة والطوائف في هذا الزمن (لا ابقى الله فيهم ولا عظمة) ، المهم ان فخر الدين إقطاعي وتوسعي وهي حقيقة لا يستطيع كتاب التاريخ نفسه ان ينكرها، فزاد عليها انه وسع نفوذه الى كل لبنان موحداً اللبنانيين، حسناً ، يا جماعة الخير (حتى ما نقول جماعة الـ…) أصلاً ايام فخر الدين لم يكن هناك من كيان اسمه لبنان، اما عن توسيع نفوذ فخر الدين فلا داعي للتذكير كيف فرم يوسف سيفا واولاد الآغا العثملّي في طرابلس، وكيف فتك بيوسف باشا ودحرج رأسه من اعلى التلة، ولا كيف انتهك جنوده اعراض النسوه والرجال في معارك علا فيها الغبار.
ثم تأتيك خبرية الضرائب العادلة، ولك على مين عم تضحكوا؟ الرجل إقطاعي صادر الأراضي وشغل الناس بالسخرة! ثم الخبرية الأهضم المدحوشة دحشاً في تاريخ البطولات اللبنانية، معركة مرج دابق، وهي التجلي الأكبر لفن البندقة اللبنانية ، اي الإنتظار حتى ترى من الفائز لتنضم اليه، على طريقة وليد جنبلاط يعني،.. المهم في معركة مرج دابق كان فخر الدين زلمة المماليك، ولما إستعرت المعركة بينهم وبين العثمانيين إنتظر على رأس التلة حتى رجحت الكفة للعثمانيين، فطار برجاله يقطع رقاب ما تبقى منهم ولما إنجلى غبار المعركة، “إنشكح” على الأرض (لا من طوله ولا من عرضه) امام قدمي السلطان العثماني و “فقعه” بيتين من الشعر اللبناني العامي من تأليف حسون الجرد، فسر به السلطان وأنعم عليه بلقب خاقان البرين، مع العلم ان لا السلطان العثماني كان يفهم العربية ولا فخر الدين كان بلبلاً بالتركية، إنما اللغة التي فهمها الرجلان هي لغة المصالح والرشاوى والمحسوبيات، يعني فخر الدين لم يكن بطلاً بل إنموذجاً قديماً عن ساسة هذا الزمان.
ثم تأتيك خبرية فخر الدين المقاوم البطل، الذي حارب العثمانيين لرد ظلمهم عن البلاد والعباد، وهنا اذكر كيف فاضت بي الحماسة الوطنية وانا في المدرسة الإبتدائية وكدت ان اغرق في بركة الدموع التي ذرفتها على فخر الدين، فنهرتني معلمتي ونعتتني “بالطلطميس” ليتضح لاحقاً ان الرجل أدرك ان العثمانيين “اولد فاشند” ورأى في توسكانا ودوقها مرتعاً للأحلام والنسوان والصحبة “الكوول” فقرر ان يصبح اوروبياً، فتنبهوا اليه وحرقوا دينه في ليلة ما فيها ضوء قمر، لأ وبطل يقبرني شبابه..
غير فخر الدين وسلالته، يستنسخ التاريخ اللبناني سكرجي آخر ويصوره بصورة البطل الهمام، من غيره؟ بشير الشهابي الإقطاعي الكبير، هذا الرجل موضوع تاني، لم تستطع كميات الكذب المهولة في كتب التاريخ ان تصلح ما افسده الرجل، فتوقفت عند “نهفاته” فقط مثل “أخوت شانيه”، بشير هذا كان يظن نفسه مهندساً عبقرياً، ما اتى بمشروع إلا وإنهار على رأسه فشلاً ذريعاً، من منكم يذكر أصلاً حكاية اخوت شانيه؟ الحكاية مصيبة وفضيحة إن عجز المهندسون والبلاط والأمير عن تحليل ابسط الأمور فأستوجب الأمر مجنوناً ليخبرهم انهم بحاجة الى صف الزلم من القصر الى النبع وليحفر كل رجل ذراعاً امامه؟ شو كانوا متوقعين تجي شركة بوبكات او هولسيم يعني؟ هلقد بدها ذكاء؟؟
ثم ان بشير هذا هو مفتتح عهد الإستقواء بالخارج، فهو من “جر إجر” القناصل الأجانب ليختار كل منهم طائفة يدعمها، ومن ثم إستقوى على الأتراك بمحمد علي في مصر … ايه، والنِعم …
الطامة الكبرى تبدو في ان التاريخ اللبناني كان ولايزال حتى اليوم يصور ويقدس ويقدم الأشخاص بصورة ابطال مخلصين، وهم سفهاء تافهين، العادة نفسها في رفع الأشخاص الى مصاف الآلهة، من ايام فخر الدين حتى اليوم، لايزال كتاب التاريخ المبتور يروي لشعب لبنان السفاهة ذاتها، سيرة الشهيد البطل.
في كتب التاريخ اللبنانية، وعكس كتب تاريخ العالم أجمع، لا نتكلم عن بطولات الشعوب، بل عن بطولات الزعيم والأمير، لأن الشعب اللبناني لم يقدم ولو لمرة واحدة على امر جماعي يسجل فيه كثائر بطل فكان لابد من تزوير التاريخ كي لا نبدو بأننا شعب بلا تاريخ.
يتوقف كتاب التاريخ اللبناني عند بداية الحرب الأهلية اللبنانية، لأن ما إرتكبه اللبنانيون بحق بعضهم منذ ذلك الوقت يستحيل على أكبر الكذابين وأكثرهم دهاءً ان يصلحه ويخيطه ويعيد اليه عذريته لأن الشرف غالي! عيب!!!! يستحيل على اللبنانيين ان يعترفوا بما اقترفوه وان يتصالحوا مع خبريات ماضيهم العكر، ففي كل يوم يولد فخر الدين جديد في لبنان، لأن الشعب “طلطميس” يقرأ ولا يفهم…
اترك تعليقاً