اصعب ما يمكن ان يمر به المدخن هو ان يكتشف في ساعة ارق ان سجائره قد نفذت، فيكاد ينهش جلده، خلص، “حشش على سيجارة” وهذا بالتحديد ما حصل لي الإسبوع المنصرم، على انني آثرت ان احارب البرد واحج الى الدكان في الشارع المقابل بأعتباره “فول تايم” يلبي حاجات المدخنين “المقطوعين” كحالي ولو بعد منتصف الليل.

في هذا الدكان، غالباً ما يجلس صاحبه يشاهد التلفاز المعلق تحت صورة زعيم سياسي – طائفي “وسخ” (على كثرتهم في لبنان)، على ان الأمر لا يعنيني، مطلبي الوحيد علبة جيتان اسد بها نهمي للنيكوتين الليلي، في الدكان جلس دركي برتبة رقيب اول يقرمش كيساً من البطاطا ويشاهد التلفاز مع صاحب الدكان الذي ما ان دخلت حتى شرع يخاطبني بلهجة التحدي المعهودة، شو يا استاذ؟ ما شفناك عالتلفزيون اليوم! فأجبته “شو المناسبة؟” فيجيب ضاحكاً “كان في شلعة نسوان عاملين مظاهرة ضد الإغتصاب”، ومع انني لم افهم معني كلمة “شلعة” لكني بلعت ريقي مبتسماً متردداً في المرة الأولى، فأعجبه سكوتي فأضاف “كل وحدة منهن مقطوعة مش لاقية واحد يعملها واحد!” لينفجر في عاصفة من الضحك،كم كان بودي في هذه اللحظة لو غرست اظافري في عنق هذا الأحمق لكن الدركي الجالس الى جانبه كان قد فرغ من لحس كيس البطاطا عن آخره فتدخل سائلاً “ليش الشب شو بيشتغل؟” ليتبرع صاحب الدكان بالإجابة، الأستاذ من جماعة الرفق بالإنسان!!
حاولت صراحة ان ابتلع غضبي واتفادى نوبة السعار التي تنتابني لكنني فشلت فأردفت بإجابة إنفعالية “له غلطان، انا من جماعة الرفق بالحيوان، مشدداً على حرف “الحاء” في حيوان، فتراجع الرجل وضحك محاولاً ان يعطيني الإنطباع بأنه كان يمزح، على ان هذا لم يردع الدركي المنفوش ريشه كونه “إبن دولة” (آكلة تاكله وتاكل هيك دولة) .. المهم، يحاول الرجل بعقدة النقص المتأصلة فيه ان يخاطبني مشدداً على إبراز رتبته العسكرية، رافعاً كتفه الى الأعلى، (خلص، شفنا الأرزة)، “كنت بمهمة اليوم وقت التظاهرة”، واشاح بنظره عني ليخاطب صاحب الدكان، “فلتولك هالنسوان بالشارع، شي يعيط شي حاملك يافطات بالأنجليزي، مفكرين حالن بأميركا” ثم اردف مقهقهاً (منيحة هاي مقهقهاً صرلي اسبوعين عم فتش على مناسبة لأكتبها) المهم، قهقه ابن الدولة، ونظر لي “هلق معك خبر انو هولي كلن مهابيل؟ كيف يعني الزلمي ما فيه يمد ايده على مرته؟ بركي على باله الليلة “ايز ميز” وهي الشرموطة ما بدها؟” بس لو فلتوني عليهن كنت علقتن بالبلانكو من بزازن…
لبرهة نادرة جداً، لا ادري ما الذي حصل، حسبت الأمور سريعاً، اذا ضربته، قامت الدنيا ولم تقعد، انا اصلاً إنسان لاعنفي، حسناً، لو اعطيته جواباً “مسحت فيه” الأرض وما قصرت لأحالها دعوى قدح وذم هو ودولته العتيدة وكأنني لعنت شرف الأمة وسببتها، ولو اعطيته جواباً منطقياً او علمياً او حتى عادياً لعجز عن فهمه وإرتبك ورفع صوته ما سيضطرني الى ان افقد اعصابي واقع في امر لا تحمد عقباه، انا بعرف حالي، افقد احياناً لثوان السيطرة على اعصابي، لكنها ثوان كافية لأوجه له شتيمة ترقى الى مستوى إنزال السماء من عليائها وإعادتها.. مرتين.
بفعل الغضب والإنفعال، غاب عن خلايا الدماغ عندي ادنى تفسير او رد منطقي او علمي او طبيعي للناشطين، سرت في بدني قشعريرة غريبة، ونزعة للسوقية في ابهى تجلياتها، فقررت ان العب لعبة بسيطة …شوف يا معلم، هؤلاء النسوة لديهم مطلب بسيط، إقرار تشريعات وقوانين ترتقي الى الحد الأدنى من بديهيات حقوق الإنسان، بأن تصدر مراسيم قانونية تطبيقية، تجرم كافة انواع الإغتصاب، وتجرم العنف ضد المرأة، التي تفتقد اليها اصول المحاكمات الجزائية في القانون اللبناني لاسيما المادة 14 ج و المادة 25 ب ما يتعارض مع القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن الدولي المختص بتمكين المرأة من العمل السلمي.. إحمر وجه الرجلان ثم امسى اخضراً، ثم اصفراً، ثم برتقالياً، ثم ابيض بعد ان تناقض مستوى الأوكسيجين الواصل الى دماغهما فتمتما بكلمات غير مفهومة، ثم قالا، نعم معك حق! نقدت الرجل ثمن علبة السجائر، وخرجت مزهواً ، مبتسماً، ومنتصراً لقيمي كأنسان اولاً، ولسلميتي المطلقة ثانياً، ولكل الصديقات اللواتي خرجن في تلك التظاهرة.
عملياً، الجزء الأول من الكلام هو زبدة الحديث، اما عن الشق الثاني فلا علاقة لا من قريب ولا من بعيد لأصول المحاكمات الجزائية في القانون اللبناني بالموضوع، ولا وجود اصلاً للمادة 14 ج ولا المادة 25 ب والقرار 1325 لا علاقة له ايضاً، إنما كانت محاولة بسيطة لإستعمال ابسط تكتيكات “أكل الخرى” وقرط الحكي على شاكلة القوانين اللبنانية المبتورة ، مستغلاً جهل الإثنين بالموضوع، الجهل ذاته الذي يدفعهم الى ممارسة شذوذهم النفسي والفكري على زوجاتهن، مساكين فعلاً…
ان كنا نظن ان المشكلة تكمن فقط في عدم لحظ المشترع لهكذا قوانين فنحن مخطئين تماماً، لأن المواطن اللبناني ايضاً يفتقد الى ادنى معرفة بواجباته وحقوقه ايضاً، حقوق مفترض ان تكون معروفة ومكرسة ومقدسة، تحميها نظم وقوانين وتسهر على تنفيذها اجهزة امنية حري بها ومن اضعف الإيمان ان تكسر يد عسكرييها ان تكررت الحادثة في الفيديو ادناه.
اترك تعليقاً