ترددت ليومين قبل كتابة هذه التدوينة لعدة اسباب، اولاً لأنها تخرج عن الطابع التقليدي لهذه المدونة وسياسة رفع الصوت ضد كل السياسات التي تحول هذا البلد الى “دكان” تصفية حسابات بين وحشي السياسة في لبنان 8 و 14، وثانياً لأنني كسرت القاعدة الأساسية التي اؤمن بها وهي استحالة الحوار والتعاون مع اطياف هذه الطبقة السياسية، هذه القاعدة ذاتها التي تسند حتى اللحظة خياري بعدم تصديق الهذيان الجماعي الذي حول الوزير السابق شربل نحاس من خزمتجي لأحد اطياف الطبقة السياسية اللبنانية “الرفيق البطل”.
هناك القليل من الكلمات التي لابد من ان اكتبها هنا قبل سرد الوقائع كي لا يتم تحوير اي من الكلام الوارد ادناه او استغلاله لغير غرضه، كنت على قناعة تامة ولاأزال، وسأبقى، ان طيفي الطبقة السياسية اللبنانية اي 8 و 14 يتقاسمون معاً المسؤولية ذاتها في تحويل العملية الديمقراطية في لبنان الى مهزلة ومسرحية، بفعل الفساد المستشري والإهمال الغير محدود و التقسيم الطائفي الذي تقوم عليه بنية الدولة اللبنانية ناهيك عن الإرتهانات الخارجية والحسابات الأقليمية والسلاح وغيرها. إذن، أكرر، انا على موقفي الثابت، لافرق بين 8 و 14 آذار في الخطوط العريضة، كلاهما يتحمل المسؤولية ذاتها.
منذ حوالي السنة، خرج الى حلبة النقاش البيزنطي قانون تنظيم تكنولوجيا المعلومات في لبنان، يومها اقمنا الدنيا ولم نقعدها، واعتبرنا ان هذا القانون سيء للغاية وقد تم وضعه للضرب بيد من حديد وخنق الحريات في لبنان، وبعد اخذ ورد طويلين ومعركة على الإنترنت شاركت فيها المعترضين في مناسبتين، الأولى و الثانية ، تم “زحلقة” المشروع ورميه في الأدراج.
مؤخراً خرج وزير الإعلام اللبناني وليد الداعوق بمسودة لمشروع تنظيم الإعلام الإلكتروني بشكل مستعجل ومريب للغاية، برر الوزير حينها هذا المشروع بأنه مؤقت ولايتعارض مع قانون تنظيم تكنولوجيا المعلومات الذي سيأخذ وقتاً طويلاً، مشدداً في أكثر من مناسبة ان القانون هذا لايمس الحريات بل يصونها ويصون الملكية الفكرية. طبعاً هذا ومع شديد الإعتذار من معالي الوزير كله كذب.
كتبت وقتها تدوينة بعنوان أوقفوا التعدي على الحريات في لبنان! لا لمشروع تنظيم الإعلام الإلكتروني فندت فيها بنود هذا القانون الأخرق الذي يتعارض ويتنافى مع العقل والمنطق اولاً ويمس حرية التعبير في جوهرها ثانياً، تصوروا مثلاً انه وفي الوقت الذي يشهد الحراك الإلكتروني فورته الكبرى وفي وقت تحول كل مواطن الى صحافي وشاهد على الحدث، تريد الحكومة اللبنانية التي (وفلنكن واضحين) يطغى عليها محبي القمع والتعمية، تريد ان تسلب فسحة الأمل والتعبير الوحيدة التي تسمح للمواطن اللبناني المستقل والمعترض على اطياف السياسة اللبنانية ان يعبر عليها، تريد ان تسلبه الأنترنت، بهذه البساطة، تريد ان تضع قيوداً على ما يكتب وينشر عليها ببنود قانون غامض ووراسع ومطاط للغاية.
كنت امام خيارين، إما متابعة المعركة المطلبية على الإنترنت مع المدونين والنشطاء اللبنانيين مخاطراً بصدور هذا المشروع الذي وبصراحة سأكون “ولساني الزفر” اول ضحاياه، او التحرك منفرداً على صعيد آخر مخاطراً بشيء واحد، هو القليل من ماء الوجه فهناك من سيتبرع كالعادة بوصفي بأشنع الأوصاف ويتهمني بالسعي وراء الخبر وما شابه، ولابأس فقد اخترت الخيار الثاني لانني بت على قناعة تامة بان الكلب الذي يصم الآذان بنباحه اجبن من ان يعض.
حسمت الخيار واتجهت الى الإنترنت في تطبيق عملي لقواعد المناصرة، اي الضغط على صناع القرار والحلقة المؤثرة من حولهم.
كانت الخطة بسيطة، بدراسة سريعة للواقع، الطريقة الوحيدة لوقف هذا القانون هو تشكيل جبهة على مستوى صانعي القرار تسد الطريق امام هذا المشروع، خاصة وان “النقار والنقير” شغال بين 8 و 14، المعادلة كالتالي، 8 آذار في الحكم عملياً، لذا لن يمر مشروع قانون بدون موافقة 14 آذار عليه او بأضعف الإيمان تعطيله، ولابأس ان قام جزء من فريق 8 آذار بالتضامن مع رافضي القرار.
الخيار الأول كان مراسلة رأس الهرم ، الرئيس نجيب ميقاتي ، والرئيس السابق سعد الحريري، بداية كانت مع ميقاتي الذي كان منذ فترة قد بدأ يتبعني على موقع تويتر، كتبت الرسالة، وهممت بإرسالها ليتضح ان معاليه قد حذفني من لائحة من يتبعهم على تويتر فعدت خائباً، ولمن لا يعرف، التويتر يسمح لك بإرسال الرسائل المغلقة الخاصة فقط ان كان المتلقي يتبعك على الموقع.
الهدف الثاني كان الرئيس السابق سعد الحريري الذي ايضاً يتبعني على تويتر، وكانت مفاجأة جيدة بأن الحريري لايزال يتبعني بالرغم من لساني السليط عليه وعلى تياره السياسي كوني مواطناً ناشطاً ومحاسباً امارس دوري في الرقابة على آداء ممثلي الشعب اللبناني في مقر عصابة الـ 128 المعروف في لبنان بمجلس النواب.
رسالتي الأولى للرئيس سعد الحريري جائت كالتالي : (الرسائل مترجمة الى العربية، النسخة الأصلية مرفقة اسفل التدوينة)
سعادتك، نحن نحتاج الى مساعدتك كي نوقف LIRA مشروع قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني، لدينا اسباب مقنعة بأن القانون سيحد من حرية الرأي والتعبير على الإنترنت
بعدها بيومين اجاب الرئيس الحريري على رسالتي كالتالي
مرحبا عماد، هل يمكنك ان تطلعني على المزيد حول هذا المشروع؟ انا بالتأكيد ضد اي قيود على الإنترنت
اجبت بالتالي:
شكراً على الرد، نحن كنشطاء نخشى ان يحد هذا القانون من حرية الرأي والتعبير على الإنترنت، خاصة وانه قانون غامض وواسع جداً
ثم في رسالة اخرى، ارفقت رابط المشروع كاملاً كما ورد في صحيفة النهار اللبنانية
كان رد الحريري
حسناً، لا تقلق، انا اهتم بالموضوع، وتكلمت فعلاً مع الرئيس السنيورة، ومع غازي يوسف، سأتابع الموضوع بنفسي، أؤكد لك اننا سنحارب هذا المشروع
كنت ابحث هنا، وعملاً بالقواعد الذهبية للمناصرة ان احصل على ما يشبه التعهد الرسمي الذي لايمكن التنصل منه، في حال تغير موقف المستقبل من هذا القانون مستقبلاً، فألمحت الى نيتي نشر هذه المحادثة التي باتت مسجلة عندي.
هل ممكن ان اشارك هذه التعهدات على العلن علها تعطي دفعاً للحملة الرافضة للمشروع؟
اجاب الحريري بسرعة
امهلني حتى المساء او صباح الغد حتى اعلم الجميع وسأراسلك بعد ان انتهي من ذلك
شكرت الرئيس الحريري بعد هذه الرسالة وقلت:
شكراً جزيلاً، انت تضع الآن مثالاً جيداً عن كيف يحاور المسؤول المجتمع المدني وينصت الى صوته
أجاب الحريري:
هذا عملي، وانا احبه، وانا في نهاية المطاف خادم للشأن العام ، شكراً لك.
بعدها بيوم لم يجيب الرئيس الحريري كما وعد، لكنه ارسل الرسالة التالية
لم انسى، امهلني يوماً واحد بعد، شكراً
بعد يوم تلقيت رسالة جديدة مفادها الآتي:
مرحباً عماد، وعدتك بالرد، سنقوم بمحاربة هذا المشروع، فهو يتعارض مع كل ما نؤمن به في تيار المستقبل، الرئيس السنيورة سيلتقي بعدد من الأعضاء (يقصد نواب تيار المستقبل) والحلفاء، يمكنك ان تعلن هذا على العلن إبتداءً من الغد كذلك ان تنشرها على تويتر
اجابتي جائت على الشكل التالي:
شكراً سعادتك، نحن بحاجة ماسة الى دعم الكتل البرلمانية لوقف هذا المشروع، الآن انا متأكد اننا سنوقفه
يجيب الحريري:
لا تقلق، سنفعل، ان شاء الله
المحادثة الواردة اعلاه لا تعني بالضرورة ان الرئيس الحريري بطلاً قومياً اوقف المشروع وحده، بل تعني ببساطة اننا كسبنا حليفاً استراتيجياً نحو رفض هذا المشروع لأن المصلحة واحدة ومشتركة هنا، القانون يهدد حرية الرأي والتعبير، ببساطة تأطير الرأي العام، ومن ثم الكتل البرلمانية لن يسمح لهذا المشروع بالمرور، لا بالحلال، ولا بالحرام، فلنكن واقعيين، كم مرة مر قانون في لبنان دون ان يوافق عليه 8 و 14 آذار معاً؟ الجواب ولامرة!
عملياً، لمن لا يدرك كيف تسير الأمور في لبنان، هذا القانون قد اصبح في الأدراج، ولن يخرج منها في القريب العاجل، حتى ولو اعادوا طرحه مرة ومرتين، القانون لن يمر مهما فعلوا، وبما انني استعنت بالرئيس الحريري، فليسامحني لإقتباسي شعاره لن يمر القانون “والسما زرقا”. اللهم إلا اذا اصاب الدولة اللبنانية شي من الحنين الى خبراتها القديمة في القمع وكتم الأفواه على عينك يا تاجر كما كان يحصل قبل 2005، الى ان تتضح الصورة، كسبنا الجولة الثانية على التوالي، اما المعركة نحو الدفاع عن حرية الرأي والتعبير فهي مستمرة، شاء من شاء وابى من ابى، لن ياخذوا اصواتنا، وسنظل نكتب وندون ونغرد ونرفع الصوت، ضد الطبقة السياسية كلها، لأجل حقوق الإنسان، ضد الطائفية وامرائها اجمعين، ضد الفساد، ضد الظلم، ضد الرشاوى، ضد المحسوبيات، وصولاً الى مستوى من الوعي السياسي الإجتماعي يدفع بالناخب التي التصويت للبرنامج لا للطائفة، وعن قناعة لا عن فتوى او وعود إنتخابية.
التغيير مسألة قدرة لا مسألة احتمال، ربحنا الجولة، اوقفنا المشروع، مبروك، و Merci Twitter
النسخة الأصلية من المحادثة الخاصة مع الحريري من حسابي على تويتر

اترك تعليقاً