كنا صغاراً نلعب ونلهو في الساحة امام المبنى، وبأعتبار الإنترنت لم يجد سبيله الينا كنا “نتفنن” في إختراع الألعاب، ولأن ملعب كرة القدم محتلاً من قبل من هم أكبر سناً، كان ملاذنا في “سبع بلاطات” و”لقيطة” او “غميضة”، ولأن الحرب ونزعة العنف قد اسست نفوذاً عميقاً داخل لاوعينا الإنساني، كان للمسدسات والبنادق البلاستيكية دوراً كبيراً في هذه الألعاب، خاصة “شرطي وحرامي”. ولما كنت الوحيد بين اطفال الحي الذي لايملك مسدساً، كان لزاماً عليّ ان العب دور الحرامي، مع ما يرافق هذا الدور من تحقير وشتم وضرب يصبح حقيقياً احياناً، حتى انهم في ذات مرة، حبسوني داخل خزان مياه لساعات، حتى كدت اختنق.
مع انني بمرور الوقت احترفت دور الحرامي هذا، الا انني كنت حرامياً بضمير، كان لزاماً عليّ كحرامي ان ادخل الى دكان الحي واستغل شخير صاحب الدكان لأسرق ما تيسر من بسكويت “الدبكة” واهرب، الا انني كنت اوقظ الرجل واشتري البسكويت، ثم اركض خارج الدكان متظاهراً انني سرقته، فيحاصرني هؤلاء بمسدساتهم البلاستيكية ويمعنون في اطلاق الخرز البلاستيكية الموجعة من مسدساتهم فأستسلم بسرعة، فيودعونني داخل مستودع مهجور على انه السجن، ويتقاسمون الغلة فرحين مسرورين.
في بيتنا كانت صحوة ما بعد الحرب قد نالت من والدتي، فكان ممنوعاً ان اقتني مسدساً بلاستيكياً، واول سلاح وهمي حملته كان سيفاً بلاستيكياً اهداه لي اخي في عيد ميلادي، احتاجني الأمر ساعة واحدة لأسقط اول ضحاياه، فبعد ان اخذت اطعن الكنبة مراراً وتكراراً تمزقت، فأخذوا مني السيف واخفوه.
كان لابد من ان اندمج مع الآخرين في اللعب فقد سئمت دور الحرامي، فسرقت بطيش الطفولة ثلاثة آلاف ليرة من حقيبة امي وابتعت فيها مسدساً كبيراً أحمراً، وما هي إلا ساعات حتى اصبحت في صف الشرطة وانقلبت الأدوار، واصبحنا نختار صاحب اصغر مسدس ليكون هو الحرامي، هكذا كان، بات الجميع مسلحاً، الشرطي واللص.
كنا نختار الأكبر بيننا سناً وحجماً ليكون هو رئيس الشرطة، يوزع الادوار وينشرنا بذكاء نحن العسكر في الزوايا لنمسك اللص المزعوم، كان لذاك الولد هيبة وسطوة، لم يكن يستمع لتوسلات الأمهات بالتوقف عن ضرب اولادهم، كنا نخشاه جميعاً، كان الحامي الأوحد لبسكويت “الدبكة” في الحي. ومع اننا لم نكن قد توصلنا لفكرة “الشهر الأمني” بعد، الا ان أمن البسكويت كان مستتباً، ومع اننا ايضاً لم نكن قد فطنا على فكرة الشرطة النسائية، الا انه كان بيننا الكثير من الفتايات (بينهم واحدة اسمها مهى كنت رايح فيها فراطة، المهم…)، لم يكن لدينا عديداً ولا عتاداً ولكن لم يجروء احد على قرقشة بسكويتة او ارتشاف الكولا بدون ان يدفع ثمنها لصاحب الدكان.
كان المسكين لاعب دور الحرامي يخشانا ويرتعب منا بحق وحقيق، كنا نحس بثقل المسؤولية، كانت مسدساتنا البلاستيكية التي نتبختر بها تثقل اوساطنا، فيصح بنا المثل البروتي العتيق، إشبك لاوي؟ فرد متقلني.
بيت القصيد، ومع الإعتذار من عنصر المخابرات على الإطالة، هذا النص، مهدى الى “معلمك” وزير الداخلية اللبناني مروان شربل، بما ان التخاطب الطفولي بات سمة المرحلة، ربما تصل الفكرة، فيكلفك بمهمة اخرى غير القراءة، فتحل عن طيز المواطنين والمدونين والكتاب والرسامين والسينمائيين، لتقوم بواجبك قبل ان يأتي من يسرق الدكان بأكمله.
–
إعلان مدفوع
اترك تعليقاً