الديكتاتور الأخير

لم يكن شارلي شابلن على دراية بوجود بلد اسمه لبنان عندما انتج فيلمه الشهير “الديكتاتور العظيم” عام 1940، البلد الذي يقال عنه عظيماً بدوره ولد رسمياً بحسب حكامه بعد إنتاج الفيلم بثلاث سنوات، لم يكن شابلن على علم انه وبحكاية الديكتاتور العظيم، إنما يقدم وصفاً غريب الدقة لحكاية مستقبلية لطفل أبصر النورفي سيراليون قبل فيلمه بعامين.

يحكي فيلم شابلن عن مواطن يشارك في الحرب العالمية الأولي مع وطنه تومينيا ثم يصاب ويدخل الى المستشفى فاقداً الذاكرة، ثم يحدث ذات يوم ان يخرج ليصدم بسيطرة الديكتاتور هينكل علي البلد.

خلال الحرب اللبنانية، فقد كل اللبنانيون الذاكرة، وعلى نسق الأجداد، إنغمسوا جميعاً في شهيتهم المتوسطية للعنف، بقضايا وشعارات او حتى بدون، قاتل هؤلاء المغشي على ابصارهم العدو والصديق، إنتهت الحرب، إستفاق الجميع، وفجعوا بما سمي إتفاق الطائف، لا عدالة إنتقالية ولا من يحزنون، تقاسم الغنائم العسكرية افرز طبقة سياسية من أمراء الحرب وتجارها، تسيطر على البلاد والعباد، وبدل هينكل، صدمنا بـ “هناكل”، ديكتاتوريات تشبيح وسلاح ومال ونفوذ تحكم كل شيء، بل وتحصي علينا كل شيء، حتى انفاسنا.

لبنان ما بعد الحرب، بلد “الهناكل” المتلونة بالديمقراطية كان قد ضرب موعداً مع الديكتاتورية في ازهى صورها البلطجية، وأين؟ في بيت الشعب، في عقر داره، في برلمان الأمة.

نبيه بري، “هينكل” المجلس النيابي، الذي ولد قبل فيلم “الديكتاتور العظيم” بسنتين، كسر كل الأرقام القياسية، عشرون عاماً بالتمام والكمال حتى الساعة، عشرون عاماً مرشحاً دائماً لا يجروء على مقارعته احد، عشرون عاماً قابضاً على المجلس النيابي، عشرون عاماً يحمل تلك المطرقة، اكرهها، كنت كلما شاهدته يدق على الطاولة أمامه، كأنه يدق بها على جمجمتي، عشرون عاماً من إستغلال السلطة، عشرون عاماً من الفساد والنهب و “دحش” المحسوبين عليه في إدارات الدولة حتى اصابتها التخمة، هو لم ينس ميليشياته، احضر “أبو خشبة” من خلف المتراس الحزبي، البسه بذة عسكرية، واقعده مسؤولاً عن ميليشيا رسمية تناسب العصر ومتطلباته، فالتلون بالدين وأرث المحرومين بات “أولد فاشن” يستحضر فقط يوماً واحداً كل سنة، حين يقف خطيباً مستذكراً موسى الصدر متباكياً على أطلال حركته.

ولخشبته وأبيها حكاية، لا أزال اذكر ما قاله لي مسؤول ميليشيا مجلس النواب يوم 16 شباط 2010، “لا الله، ولا أنبياءه، ولا الدستور ولا القانون بيخلوك توقف بساحة النجمة اذا انا بقول لأ”

في فيلم شابلن الأميريكي، هينكل الديكتاتور العظيم كان مهووساً بالسلطة، عنصرياً تجاه اليهود، قتلهم وطهر البلاد منهم ومنح ارضهم لزمرته، في فيلمنا اللبناني اليومي، هينكل مجلس النواب عنصري تجاه اللبنانيين، قتلهم، ثم طهر الوظائف منهم ليمنحها للمحسوبين عليه.

في فيلم شابلن الأبيض والأسود، حرس هينكل العظيم، الدائرة الصغيرة التي لا تخترق، وفي فيلمنا اللبناني الملون “بتكنيكولور” عذاباتنا اليومية، حرس مجلس النواب، دائرة محصورة بالمحسوبين على ميليشيات “هناكله” فقط لا غير.

في فيلم شابلن، هينكل اباح السرقة والنصب وتلطى بالوطنية، في فيلم لبنان، نبيه بري، اباح مجلس الجنوب والنصب وتلطى بشعارات رفعها شباب العلمانية.

في فيلم شابلن سحل حرس هينكل المواطنين المعارضين في ساحة كبرى، بالأمس وقبله، ومرتين خلال اقل من 7 ايام، سحلت ميليشيا حرس مجلس النواب النشطاء في ساحة النجمة، حتى ان احدهم ادخل فوهة بندقيته في مؤخرة احد النشطاء، ثم اسمع ناشطة اخرى كلاماً عن طول وأستعداد قضيبه الذكري لامتاعها على السرير!!.

ديكتاتور شابلن العظيم امسك بزمام السلطة عشرون عاماً قبل ان يسقط، ديكتاتور مجلسنا النيابي عادل الرقم، ويبدو عازم على كسره ما دام البعض يصوت بالروح و الدم والطائفة.

أحداث فيلم الديكتاتور العظيم كوميديا ساخرة، احداث فيلمنا اليومي، كوميديا “المسخرة”.

في أحداث الفيلم، عاشت تومينيا بعد هينكل إزدهاراً لا مثيل له، في لبنان، سنتأخر قليلاً فلدينا أكثر من “هناكيل” 8 و 14، لكن فلنبشر المجلس النيابي، ان نبيه بري ديكتاتوره الأخير.

شرطة هينكل لبنان تعتدي على النشطاء السلميين المطالبين بقانون مدني للأحوال الشخصية
(شباب مدنيون لا عنفيون – شمل) (صباح الأثنين)

قبل ايام فقط، الهينكليون يقمعون نشطاء سلميين يطالبون بقانون النسبية (مع ان بري يجاهر بالمطالبة بالنسبية؟!!!)

Lebanese Parliament Police
شرطة مجلس النواب (مفترض تابعة للدولة) يرتدي اعضائها صور نبيه بري ولائحته الإنتخابية (الأمل)  ويرقصون فرحين بأعادة إنتخابه

 

شرطة مجلس النواب
… ويشاركون في القتال في 7 أيار بلباس القوى الأمنية اللبنانية

 

.. وما تقبل إلا بالقصف الصاروخي، وبلباس الدولة كمان

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *