بعد كل هذه السنوات، والدراسات والتحليلات الأستراتيجية والفايسبوكية، لا أزال اعجز عن الخروج بنظرية اقتصادية كتلك التي خرجت بها امي ذات صبيحة يوم كانوني بارد حدث وان كان عيد ميلادي، فأنهالت عليّ النقود والهدايا من كل حدب وصوب، دلوع العيلة وآخر العنقود، واشتغل تدبيل العيون ومع كل تدبيلة كنت اشفط ما بين 1000 الى خمسة آلاف ليرة، يوم كان للـ 100 ليرة عز وجاه…
عندما انتصف النهار، جلست احسب “الغلة” وهي 25 الف ليرة بالتمام والكمال، اول محطة تشبيحية، اخي وليد، الذي “شفط مني” خمسة آلاف ليرة ثمن البنزين وبطاقة لحضور السيرك الوطني المجري على أرض ملعب النجمة على ما أذكر، عشرون الف ليرة، انفقتها على شراء زينة لشجرة الميلاد، ومفرقعات نارية تحضيراً لعيد رأس السنة، فيما اهملت كل الأشياء التي كنت بحاجة ماسة اليها. في المساء لما علمت امي بأن المبلغ قد طار، سألت عن المفرقعات التي اشتريتها لتصادرها عقاباً لي، “وين حطيتها ؟” ، “حطيتها عالبلكون!” ، “ايه يحط حطامك قدامك”… ضيعت مصرياتك عالفاضي
لم تستعمل امي الضرب عقاباً، سلاحها الوحيد الذي ورثته عن جدتي كان “الدعاء السلبي”، خلاصة الأمر، استلزمني عشر سنوات لأفهم تلك الجملة البيروتية “يحط حطامك قدامك” وهي نوع من الدعاء السلبي، المقصود منها ما معناه “يكسر ايديك على هالعملة”…
على أن “يحط حطامك قدامك”، هي ابرع نظرية فلسفية في علم المحاسبة والإدارة والتخطيط المالي، يحط حطامي قدامي، لو اشتريت يومها تلك الدراجة الهوائية، او سددت ثمن الكتب التي كنت اشتريها بالدين، لو ولو ولو … كم فكرت بالأمر وقلبته في رأسي…
نظرية “يحط حطامك قدامك” البيروتية هذه، هي من افضل الأمثلة عن سوء الأدارة والتدبير، لا أزال حتى اليوم اصلاً “أحط حطامي قدامي”، اصرف دون حسبان للمستقبل، لم افقه يوماً كيف يمكن للبناني ان يدخر، اضحك على رفاقي المدخرين واتهمهم بالبخل.
كلما احسست بانني أسأت التقدير وانفقت بتبذير راتبي المنتوف اصلاً، اضحك في سري، لو علمت أم وليد بالأمر لعاودتها “يحط حطامك قدامك”…
تقول امي، والكلام لها، انني لو أخذت ذات التفاني في الدفاع عن حرية الآخرين، ووظفته في عقد عمل في بلد خليجي لكان جيبي يفيض بالدولار الذي يضمن لي عروساً جميلة، وبيت مثالي، سامحك الله يا أمي، لست الوحيد في قلة التدبير وسوء الأدارة، خذي مثلاً الدولة اللبنانية، ودراساتها المالية والأقتصادية التي أقل ما يقال عنها انها “مريخية”، ليست من هذا الكوكب.
مثلاً، عندما تظن ان الحكومة اللبنانية قد “استفرغت” كل ما في جوفها من غباء وسوء إدارة، واحتيال، يطالعك ضرب جديد من ضروب السرقة و”اكل الخرا”، هذا ناهيك عن التخطيط الخزعبلي و “الخرنكعي”. ربما تستقي الدولة اللبنانية دراساتها الاستراتيجية من مركز ابحاث مقره على المريخ حقاً…
لست وحدي يا أمي، فقد تمخص عصير الدماغ البرتقالي لصهر جنرال الغبراء عن دراسة تبين بمقتضاها ان تمرير شبكة التوتر العالي فوق اسطح المنازل ورؤوس المواطنين، افضل وأكثر أماناً من تمريرها في قنوات خاصة في جوف الأرض، كما افرنقعت مخيلة وزير الداخلية منتجة مسرحية الشهر الأمني الذي شهد العدد الأكبر من الجرائم والسرقات في تاريخ البلد، وفي الوقت الذي كان الجميع يطالب فيه بقانون يحسن من خدمات الانترنت في لبنان، اعشوشبت الدراسات التي قام بها وزير الاعلام عن قانون “يضاجع” الحريات من قفاها “دوغي ستايل”. هذا دون ان نأتي على ذكر فضائح وزارة الصحة، والمالية وغيرها وغيرها.
نفسي ولو لمرة ان افهم من يقوم بالدراسات المالية والتنموية للدولة اللبنانية، من هو؟ هل هو هاو؟ ام حاو؟ ام صرماية عينت في المنصب بمونة من وزير او نائب او زعيم حزب او حركة او طائفة؟ والاهم، هل من شعب يحاسبه ويدعوا عليه ان “يحط حطامه قدامه؟” او يعيد تجديد الثقة له كل اربع سنوات؟
في خضم الازمة والضائقة المالية والصراخ المتعالي عن عدم قدرة الدولة اللبنانية “المحطوط حطامها قدامها” على سداد مستحقات الضمان الأجتماعي، والطبابة، وتمويل سلسلة الرتب والرواتب، يقفز الى الواجهة “بعبوصاَ” من حيث لا ندري، يمر الخبر سريعاً كالسهم، احدى الدراسات الأستراتيجية للدولة اللبنانية العلية تمخضت عن اقرار تمويل مسبح في منطقة ضبية (نعم، مسبح) بقيمة 18 مليون دولار، نعم 18 مليون دولار لبناء مسبح، يحمل اسم المخلوع الرقبة والكرسي، الرئيس السابق اميل لحود.
المسبح، كلفته 7 مليون دولار، لطشها المتعهد ولحس تعهداته بعد ان “أفرنقع” المخلوع الآنف الذكر، وفك “الألتيكو” يلي كان تحت طيزو وغادر القصر الجمهوري دون ان “يحط حطامه قدامه”.
بعد ان انسرق المشروع وطار، اتت الأنتخابات “فخريط” المواطنون امام التهويل والتخوين والتخوبف الطائفي، واعادوا انتاج تلك الطبقة السياسية دون ان يدعوا عليها “بحط حطامها قدامها”، استمر سوء التدبير بقرار من الحكومة العتيدة، بصرف عشرة ملايين و400 الف دولار لأستكمال بناء المسبح، لتصبح الكلفة الاجمالية 18 مليون دولار لأجل مسبح!!!
18 مليون دولار لبناء مسبح اولمبي يحمل اسم اميل لحود واللبنانيين جوعى
18 مليون دولار لبناء مسبح اولمبي والدولة عاجزة عن تمويل سلسلة الرتب والرواتب
18 مليون دولار لبناء مسبح اولمبي والمرضى يموتون “مشلوحين” قدام المستشفايات
18 مليون دولار لبناء مسبح اولمبي فيما الدين العام بلغ عتبة الـ 62 مليار دولار
18 مليون دولار لبناء مسبح اولمبي بينما نستدين ثمن تذكرة الطائرة لنهاجر بحثاً عن عمل
18 مليون دولار لو نقصت مائة دولار لما انتحر نبيل وزاهد زغيب يأساً وجوعاً
18 مليون دولار تجهز مستشفى او خمسين مستوصف في القرى النائية
18 مليون دولار يعني مصانع ومعامل منتجة تأوي الشباب العاطل عن العمل
18 مليون دولار يعني عشرين الف و450 طن من الفيول أويل والكهرباء مقطوعة يا ولاد قانون الستين كلب !!!
18 مليون دولار على 18 طائفة يعني كل طائفة قرطت مليون… يا اخوات الشرموطة…
18 مليون دولار، ولم يخرج مواطن لبناني واحد ليقول لنجيب ميقاتي وليه شو عم تعمل؟ “يحط حطامك قدامك”…
– تقرير لبسام أبو زيد عن مسبح “المأزوع” الاولمبي بتاريخ 15 تشرين الثاني
اترك تعليقاً