هي مدرسة

نعيش جميعاً في زوبعة من العواطف الإنسانية، عرضة للفرح والحزن، ولشتى أنواع الأفعال والإنفعالات، تولد مجتمعة سلوكنا البشري، سلوك ينجم عنه القدرة على فعل الخير أو الشر، كل بحسب حدسه وإحساسه، على أن أكثر الأحاسيس إيلاماً هو الإحساس بالظلم، فيما أكثر الأفعال دناوة هو ظلم الآخرين، لست هنا لألقنكم درساً في علم النفس ولا التحليل السايكولوجي، أنا هنا لأكتب عن سر تعلمت أن اتأقلم معه وأن اعيش تفاصيله وأحيك منه قوة تدفعني نحو المستقبل.

ليس من عادتي ان أكتب كثيراً عما يخالج نفسي من مشاعر إنسانية، ربما لأنها تظهر أوهن ما في داخلي، وتعريني على حقيقتي التي أخفيها تحت قالب القسوة، إنساناً عادياً عرضة لأبسط التجاذبات والأخذ والرد، يتملكني الإحباط فأضحك، يتآكلني الخوف فأستجمع شجاعة الآخرين، ربما كي لا ينال مني الخوف فأنهار.

بين تريلا الألكتروني وعماد بزي حاجز إنساني، غذاه الظلم تارة، والعنترة الإلكترونية الفارغة طوراً، تريلا شخصية محاربة، مندفعة، متهورة، وحتى طائشة احياناً، عماد بزي الشخص يختلف تماماً، من يعرفه يدرك تمام المعرفة ان صوته في الحقيقة يكاد لا يسمع، يعرف ان لسانه لا يتفوه بكلمة نابية، وأنه لا يطيق الجدال، وأن قلبه يختزن المحبة لا غير، المحبة ذاتها التي توقعه في مشاكل لا تعد ولا تحصى، لذا كان هناك ضرورة ان يقع الفصل بين الإثنين كي لا تأكل أحدهما الأخرى، فيندثر تريلا عن الإنترنت، ويعود عماد الى قوقعتة راضياً بنصيبه.

بين الأثنين حاجز إنساني، تريلا يكره، يشتم، يعارض، عماد يبتسم، يحب، يستسلم، ويتآكله الخجل والحمرة، تريلا يستخدم الكيبورد، عماد يستخدم القلب والعقل. وهنا ايضاً مكمن آخر للمشكلة.

إستدان عماد لأجل تريلا الكثير، إستدان كونه عاطل عن العمل ألفي ليرة من والدته ليدفعها اجرة “سرفيس” الى قصر العدل ليحضر محاكمة مظلوم إبتعله النظام، تخلى عن وظيفته لأجل ان يحظى تريلا بوقت ليكتب عن ثورة لم تولد، نزح الى مصر لأنه آمن بثورتها، فلفظه العسكر الى بيروت، إستدان عشرة آلاف ليرة من فرح ليطبع لافتة يحملها أمام البرلمان…

منذ فترة وتريلا يستدين من ماء وجه عماد وصيته كي يستمر، حيكت قصص زائفة حول الأثنين، لفقت قصص مخابراتية على صفحات وهمية، كتبة يؤلفون، جرائد قامت ولم تقعد، أناس إبتعدت ورحلت، نظريات وأقوال وشماته، والكثير الكثير…

الى السادة الشتامين والشامتين، الى مفبركي القصص البوليسية، الى محبذي الظلم وعبدة الديكتاتوريات، قد لا يكون بوسعي ان اعطي تريلا الكثير اليوم، لكن مؤكد اني سأعطيه دمي كي يستمر إن تطلب الأمر.

مدرسة، هي مدرسة، تعلمت منها الكثير، تعلمت اولاً ان لا أسكت عن ظلم يقع على الآخرين كي لا يسكتوا على ظلم سيقع عليّ، منذ عام 1998 وأنا أقف الى جانب كل مظلوم ومغبون، دون قيد أو شرط، دون أن أطلب منفعة أو إمتياز، لم أجعل لي رب ولا إله سياسياً كان أم سماوياً، لم أجمع قرشاً، ولم أدخر ليرة، سأستمر بفعل هذا، ومن منكم يحسبني “زوبعة في فنجان” فليفعل، غداً يوم نشبك أيدينا لنعبر سوياً فوق ركام هذا النظام، سأعتبر ما تقدم عمى ألوان أصابكم لأسبوع.


Posted

in

,

by

Tags:

Comments

3 ردود على “هي مدرسة”

  1. الصورة الرمزية لـ tofsroma
    tofsroma

    Trella aw Imad,
    bas kelmeh : courage !

  2. الصورة الرمزية لـ Jad

    انت اطيب قلب ينبض بالمحبة. انت حقاً فخر لبنان. تريلا و عماد هم كلمة الحق و الحرية. تريلا و عماد هم ضمير الذي يذكرنا بقيمة الانسان.

  3. الصورة الرمزية لـ انتا ياه

    عزيزي عماد … متأثراً بمقالاتك لصقت على نمرة السيارة بدل N جحشستان الجنوب. أوقفني الدرك وسألني ما هذا ما يعني؟ قلتلو جحشستان هي دولة يرأسها جحش و يسكنها الخواريف. أخذ هويتي ودفتر السواقة وعندي موعد بقصر العدل الثلاثاء القادم.
    نظراً لخبرتك بهذا المقام والموقف، هل لديك أي نصيحة قبل ملاقاة الوالي بأمر القانون الجحشستاني؟؟ أرجو الرد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *