دفتر انشاء

شاءت الأقدار ان اترعرع في كنف بيت علماني، طلق الطائفية بالثلاث في وقت تمسك الجميع بتلابيب الزعامات والمصالح، بين أب هجر البندقية وهاجر ليعيل اولاده، وأم تخلت عن الطبخ للمقاتلين لتفرغ حماستها الثورية في كتابة فروض الإنشاء بدلاً مني، أدين بالكثير لدفتر الإنشاء هذا الذي استحال مع الوقت صحيفة أمي، تكتب افتتاحياتها وخواتيمها، أنهل منها من العبر والقيم الإنسانية ما اُسقط عمداً من كتاب التاريخ اللبناني المبتور. صحيفة أمي، فرضي الإنشائي، مرجعاً سامياً للعلمانية، معلم الأدب والوطنية، يقدس الحرية ويعشق الأنسان، وينحني إجلالاً للثورات وحركات التحرر اينما كان.

هكذا كان، وهكذا ربيت، محباً للبنانيتي ومتصالح معها، لا اتعالى بها ولا أخجل بأنتمائي لها، لا أعبد جعيتا ومغارتها، ولا افاخر بالربع ساعة الفاصلة بين منتجع الثلج وشاطىء التزلج، ربيت على ان الوطن أرض وشعب ومؤسسات، لا فندقاً اغادره يوم تسوء الخدمة.

محظوظ أنا بين أقراني، لا اشعر بعقد تخنقني، لا قناع عظمة مزيف، ولا انهزامية وإكتئاب يدفع لجلد الذات، اود احياناً ان اتسنم السلم الخشبي واتسلق الى العلية لأحضر دفتر الأنشاء واجعل منه نسخاً أوزعها بالمجان، بالمئات على المكتئبين دوماً، وبالآلاف على المتعالين بعنصرية، عل افتتاحيات امي تعيد رسم الواقع، كما يجب ان يكون، لا كما يريدون.

لو قدر لي ان أحيل دفتر الإنشاء كتاباً لحملته ومضيت اقرع الأجراس وأدق الأبواب، أعطي نسخة لسيدة تضرب العاملة المنزلية وكأنها أمة او غنيمة حرب جاهلية، اعطي نسخة لشاب يصرخ بوجه عامل اجنبي في محطة “بنزين”، وصاحب ورشة يبخس عماله الأجر، لو قدر لي ان احيل الدفتر كتاباً لأعطيته ليائس ممتعض يشتم ويمني النفس “بفيزا” عوضاً ان يعيد النظر في حساباته الإنتخابية.

وادي_شحرورلو قدر لي ان أحيل الدفتر كتاباً، لأعطيت نسخة لجو معلوف عله يدرك ان شعار برنامجه معكوس، وان الحرية ليست بذة “أرماني” تليق بنا او لا نلبسها، ولوزعته على بلديات بطشيه- المرداشة ووادي شحرورعلهم يدركون ان ما من درك أسوأ وأبشع من اللافتات العنصرية التي تشوه مداخل قراهم، خائفون من “إحتمال” الإجرام الأجنبي؟ ماذا عن الإجرام المحلي؟ ماذا عن إجرامهم بحق الحرية والإنسانية؟ خائفون على اعراقهم المطهرة؟ هل يدركون ان الطائفية جرم، وان العنصرية جرم أكبر؟

محظوظ انا بين أقراني، حظيت بدفتر إنشاء، علامته الإنسانية كاملة، علامته العنصرية صفر، دفتر لو وزع على اصحاب اللافتات تلك، لأدركوا انهم بفعلتهم بطشوا بالأنسانية في بطشيه، وانهم حولوا وادي الشحرور الى وادي البوم والغراب.

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *