كيف بيمشي البلد؟

وأخيراً ظهرت الحقيقة، لم يعد لزاماً علينا ان نحاول فهم عقد هذا البلد المسمى زوراً “قطعة سما”، حُلت طلاسم والغاز السياسة اللبنانية ، بات بأمكاننا اليوم ان نأوي الى الفراش سعداء فرحين، مبروك.

ما حدث مساء الأمس خلاصة تاريخية لسنوات من البحث العلمي والأستراتيجي والجيوسياسي، وملايين الصفحات من التقارير والرسائل الديبلوماسية والمخابراتية، اضافة الى كل الجهود ومليارات الدولارات التي صرفت على فهم شيء واحد “كيف بيمشي البلد؟”. فهمناها أخيراً، فهمنا “كيف بيمشي البلد” دون حكومة، ودون رئيس حكومة وبلا رئيس جمهورية، ودون وزير داخلية (حتى يوم كان يمارس صلاحياته)، فهمنا كيف مر قطوع “السحسوحين” في بربور أخيراً، فهمنا كيف بدأت الحرب الأهلية اللبنانية وكيف إنتهت، فهمنا كل شيء يا جماعة…

أفنيت كما غيري، العشر سنوات الأخيرة في محاولة فهم نظريات سياسية عميقة، ومفردات من طراز ديمقراطية، وإنتخابات، وعدالة انتقالية، ليتبين بالأمس ان البلد لا تديره الحكومة ولا يمثله النواب، ببساطة البلد يدار بـ “جق الحكي” الذي يصطلح عليه شعبياً “بتركيب المقلة. أبشروا البلد يدار بالقيل والقال وحديث “نسوان الفرن” على المناقيش وركوة القهوة الصباحية وقنينة الألماسة المسائية.. زلغوطة…

69 سنة من الأستقلال والبلد يديره طول اللسان و”أكل الخرا”، الزعيم الشيعي يطيل لسانه على الزعيم السني الذي بدوره “يجق” على الدرزي، الذي “يركب مقلة” المسيحي الذي بدوره يعاتب الشيعي المتخاصم مع السني لأنه “جق” على “ما بعرف مين” فينتهي بنا المطاف بأن يشكو الشيعي امره الى أيران التي توعز الى السوري ليؤدب السني فيشكوها الى السعودية التي تشتكي الى جارها الأميركي الذي يستشير حليفه الأسرائيلي.. وهكذا، حلقة مفرغة من القيل والقال و أصلاً “بييّ” أقوى من “بيّك…

المشكلة الأساس ان الشعب اللبناني طويل اللسان، بحاجة الى تشذيب وتهذيب حتى يتخلى عن هذه العادة، في خضم كل هذا، يلعب الإعلام اللبناني كالعادة دور الجار النسناس الذي يدس الدسائس لدى الأفرقاء ليتفرج على “الخناقة” ويذر الرماد في العيون.

عود على بدء، ماذا حصل بالأمس؟ وكيف انتهيت الى هذا الإكتشاف التاريخي؟

بداية نشرت محطة تلفزيون المر MTV خبراً عن فقدان عدد من الصيادين في عرض البحر قبالة مرفأ الدورة، لتعود وتلتزم الصمت، هنا تلقفت المؤسسة اللبنانية للإرسال الخبر، وبدأت تبحث في اصله وفصله وخرجت علينا “بفلاشات” عاجلة عبر الرسائل النصية مفادها ان وحدة الانقاذ في الدفاع المدني تسير دوريات في البحر بالتعاون مع الجيش اللبناني للبحث عن الصيادين المفقودين.. هنا فجرت MTV  المفاجأة وأعلنت ان الأمر برمته مجرد “كذبة” أول نيسان…

بداية الأمر اعتقدت ان LBC قامت بنقل الخبر والتوسع به ملفقة التفاصيل بهدف تحقيق السبق الصحفي (كما جرت العادة – تذكير بخبر موت أبو ابراهيم والمخطوفين في أعزاز اكثر من خمس مرات) فنشرت على حسابي على الفايسبوك ما يلي

lbcmtv

 

بعدها بساعات وبعدما شاهد الآلاف الصورة على الفايسبوك، تلقيت عبر حسابي على تويتر رسالة من المؤسسة اللبنانية للإرسال تفيد بأنهم إتصلوا برئيس وحدة الانقاذ البحري الذي اكّد تسيير دوريات بعد تلقيه اتصالات بهذا الشأن !!!

ما معناه ان الأخير إما إنطلت عليه كذبة الـ MTV وهذه مصيبة كبرى، وإما إنه تواطىء معها من أجل تمرير النكتة على LBC وهذه مصيبة أكبر.

كارثة ان كانت وحدة الإنقاذ البحري تتحرك بناء على مزحة سمجة من تلفزيون، وكارثة أكبر إن كانت قد شاركت في التلفيق، والطامة العظمى ان تم تسيير دوريات بحث وإنقاذ فعلاً للتحقيق في الأمر!!!!

lbctweet

كائناً من كان طويل اللسان مبتور الدماغ الذي اطلق هذه النكتة، وكل من ساهم معه عمداً في تمريرها، إضافة الى رئيس وحدة الإنقاذ البحري يجب ان يحاسب، وان يحكم عليه بمناسبة أول نيسان “بسحسوحين” محترمين يطبعان على رقبته شهرين كاملين.

السؤال عن عائلات الصيادين في مرفأ الدورة، كيف تلقوا الخبر؟ من يعوض على المتطوع في الدفاع المدني الذي غاص في البحر الليلة بدافع انساني ليبحث عن نكتة سمجة اطلقها مخبول طويل اللسان؟ من جيب من دفعت تكاليف عمليات البحث والإنقاذ الوهمية؟

حقيقة الأمر ان بيار الضاهر إبتلع الطعم وأكل الضرب،  وان غابريال المر ليس صاحب نكته، والحقيقة الأكثر مراراً اننا كلبنانيين حياتنا تساوي نكته…

ايها اللبنانيون…

 أبشروا، بلدكم يحكمه طول اللسان، وبئس المصير.

Comments

ردان على “كيف بيمشي البلد؟”

  1. الصورة الرمزية لـ مقالات

    اهو الدنيا ماشية ومحدش بيتكلم
    مدونة رائعة اللى الامام

  2. الصورة الرمزية لـ basma

    يا للعار انا اشعر بالخجل فعلا ولا استطيع الا ان اندب بلد الاشعاع و النورو العلم و الانفتاح والحضارة! نيال اللي ماتوا قبل هالوقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *