يقول ليو جي وهو مؤلف صيني من القرن الرابع عشر، انه في ولاية تشو الاقطاعية في الصين القديمة، عاش عجوز مسن استطاع ان يبقى على قيد الحياة من خلال احتفاظه بقرود تقوم بخدمته، حتى لقبه أهالي تشو بـ “جو غونغ” او “سيد القردة”، لكثرة القرود التي تعيش في منزله وتسهر على راحته.
كان العجوز المسن يجمع القردة في الساحة صباح كل يوم، ليأمر أكبرها بأن يقود الجماعة الى الجبال لجمع الفاكهة والخضار من الأجمة والأشجار ليقدموها له في آخر النهار، كان العجوز يفرض شرطاً قاسياً على القرود، وهي ان يقدم كل قرد عشر ما يجمعه من الغلال كل يوم، وكان يعاقب القرد الذي يتخلف او يقصر بجمع الغلال بالجلد والضرب المبرح، كانت معاناة القردة كبيرة، الا ان أحداً من القردة لم يجرؤ على الشكوى إلا في سره.
ذات يوم سأل قرد صغير أمه على مسمع المجموعة، هل زرع العجوز أشجار الفاكهة التي نقطفها؟ فأجابته بالنفي، فالأشجار تنمو وحدها، ثم سأل هل نستطيع ان نأخذ الفاكهة دون اذن العجوز؟ فأجابوه “نعم”، فتعجب وسأل “لماذا إذاً نعتمد عليه لنأخذ الفاكهة؟ لماذا لزاماً علينا أن نخدمه؟
فهم جمع القردة ما كان يرنو اليه الصغير، وفي تلك الليلة بالتحديد مزقت القردة قضبان اقفاصها، وخرجت حاملة معها الفاكهة التي قطفتها، حتى انها أخذت كل ما كان العجوز قد خزنه من مؤن وطعام، ومضت الى الغابة، ولم تعد الى العجوز أبداً بعد ذلك، وما هي إلا ايام حتى مات العجوز من الجوع.
يقول لي زي في كتاباته ايضاً، ان الحكام يحكمون الشعب عبر الخداع، لا المبادئ الأخلاقية، وان هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة، وهم يركنون الى امرهم بطمأنينة طالما ان خدعهم تنطلي على الناس، وانهم في اللحظة التي يدرك الشعب امرهم، ينتهي مفعول خداعهم ويصبحون من التاريخ، هذا إن لم يلاقوا المصير ذاته لسيد القردة.
حسناً، كما في القصة التي خرج فيها قرد صغير ليسأل، لابأس ان اعتبرتموني مدوناً بسيطاً يسأل ايضاً، هل أرض الجنوب وتضحيات اهله ملك لحسن نصر الله ليمننا؟ هل بيروت ملك للحريري لتقضمها سوليدير؟ هل مؤسسات الدولة ملك لنبيه بري لينهبها كما مجلس الجنوب؟ هل الكهرباء والإتصالات ملك لميشال عون ليسلمها لصهره؟ هل الجبال ملك للفتوش ليفرمها بكساراته؟ هل النقل العمومي ملك لآل المر ليوزعوا اللوحات على المستزلمين؟ هل طرابلس ملك لأصحاب اللحى ليقيموا فيها دويلات؟ هل صيدا ملك لبهية او السنيورة او الأسير ليقيموا مربعات أمنية؟ هل المختارة إرت إقطاعي ليديره وليد جنبلاط؟ هل اجساد امهاتنا ملك للمفتين كي يحللوا الإغتصاب؟ تريدون المزيد؟ استطيع أن أسأل حتى الصباح، هل صوت الشعب ملك لأمراء الحرب والطوائف ليصادروه بالتمديد؟
حبذا لو كنا قردة، لكنا كشفنا زيفهم وعهرهم من السؤال الأول، لما كنا عملنا وبنينا ليأكلوا حقنا ومستحقنا، لما كان سوط الضرائب والفقر والظلم لينهش اجسادنا، حبذا لو كنا قردة لننهش العوائق والحواجز لنسترجع البرلمان، حبذا لو نقول لا لأمراء الحرب وتجار الهيكل وباعة اليمام، لو كنا قردة ثوار لمات سادة القردة من الخوف، ولكنا نمرح في غابة من الحرية والأمان.
داخل كل منا قرد صغير يسأل، أما آن الأوان؟
اترك تعليقاً