وصلت بنا الحافلة الى نقطة تفتيش، اقترب منها الشرطي المدجج بالسلاح، تفحصها ودار حولها ثم صعد على متنها، صاح بصوته الجهوري، “هويات الشباب”، ثم توجه بالسؤال الى الراكب الأول “هل معك سلاح؟” اجابه نعم، ثم كشف عن بطنه، وازاح كرشه بكلتا يديه، “انظر! هذا دوغاريف بلغاري ابو 8 طلقات”، يضحك الشرطي ويربت على كتفه، يمشي ويختار راكباً آخر، “ما هذا في الكيس؟” يضحك الرجل ويفتح الكيس “هذه بندقية كلاشنكوف عراقية معدلة ومعها اربعة مخازن، لزوم السهرة اليوم خطاب الرئيس”، يبتسم له الشرطي ويقول “عشت”، يتوجه الى رجل آخر، “هل لديك ممنوعات؟” ينزعج الرجل من السؤال ويرد ببرودة واستهزاء “لا، كل ما لدي هو بضع عبوات وصاعقين” ، يتراجع الشرطي، “لا تؤاخذنا يا استاذ”، ويمشي بضع خطوات، يسأل الجالس على المقعد أمامي، “من هذا ولماذا عصبت عيناه؟”، “هذا مخطوف، اتينا به من هناك”، يرمق الشرطي الرجل المعصوب بنظرة حقد، ثم يضربه على رقبته، ويقهقه ويمضي حتى يصل الي، تختفي ابتسامته، يعود العبوس، “انت! هل معك ممنوعات؟” لا، لاشيء، “ماذا في الحقيبة؟، هاتها لأفتشها” يفتحها، يبعثر محتواها، “ما هذا؟ كتاب؟ جيل آخر زمن، فاضي”، يكمل بعثرة الحقيبة، ثم يصيح هاه!!! بالجرم المشهود، ما هذا؟ أجيبه “لابتوب” الم تقل انه ليس لديك ممنوعات ايها الحقير؟!! “ولكن هذا حاسوب!! اتصل فيه بالأنترنت!، “انترنت!!! يا عميل الكلاب، تتعاطى الفايسبوك!!!” يدور حول نفسه، ينادي زملاءه، امسكوا هذا الحيوان، معه فايسبوك…
يمسكني بقية العناصر، يسحلوني خارج الحافلة وسط الضرب والشتائم، “قصوا شعر هذا المسخ”، وكأن الماكينة جاهزة، يسحبها احدهم من جيبه يضعها على رأسي، تبدأ بالأرتجاج والأهتزاز وانا ارتعد من الخوف، اغلق عيناي، افتحهما.. الأهتزاز انتقل الى خدي.. انا نائم على هاتقي، الهاتف صامت، يرن، لا بل يهتز.. الساعة السادسة، انتهى الكابوس، كنت احلم، عليّ ان انهض الآن، ان أستحم وارتدي ثيابي، الحق بالطائرة، لتحملني الى حيث وقعت احداث هذا الكابوس…
متثاقلاً، اجر نفسي خارج السرير، الى علبة السجائر، اسحب واحدة واشعلها، اترنح نحو ماكينة القهوة، اضغط الأزرار برغم ان النيكوتين دخل في عيني فأعماني، اسحب الفنجان، اجلس على الشرفة حيث الضوء، تستعيد عيناي عافيتهما، ارمي السيجارة في كوب القهوة، امشي وثيابي تسقط عني، الى الحمام، ارتمي تحت الماء البارد، اغلق عيناي متفادياً الصابون، كنت احلم، نعم لاشك.
استعجل ازاحة الصابون عن شعري، فخلال حمام الصباح تصورت كافة تدويناتي وكتاباتي، اشعر وكأني اتفادى التفكير، هل كابوسي حقيقة؟ ام حلم؟ هل هو صنيعة صحن الشاورما الذي تناولته قبل النوم؟ ام صنيعة الراكي التركي؟ تباً لك يا مروان، ما كان يجب ان اشرب ليلة السفر.
احاول تجفيف شعري، يدي ترتجف، هذا الحلم القميء افسد نهاري استلقيت على السرير ملفوفاً “بالروب دي شمبر”، اسحب هاتفي، الج الى حسابي على فايسبوك، اول ما صادفته صورة لقافلة من المسلحين تتبختر بكامل عتادها الحربي امام القوى الامنية، تحتها صديق آخر يكتب عن استدعاء صحفية بسبب مشاركتها مقال على الفايسبوك، الم يكن هذا حلمي؟ الأمر لم يعد مخيفاً، اصبح غاية في السوريالية…
اوتدرون؟ على الدولة اللبنانية ان تنشر اعلاناً عن فايسبوك، يقول: ابشروا، اهلاً بكم الى دولة الأمن الممسوك من طيزو، حيث للأمن جهازاً يحميكم من “حريتكم المفرطة” على الأنترنت، ويترك لكم تدبر امنكم الذاتي، هذه الدولة لا تحرمكم من شيء لدرجة انها تجعل من احلامكم لا بل ابشع كوابيسكم… حقيقة.
مع جزيل الشكر لعنصر الرقابة الذي يقرأ هذه التدوينة..
–
على الهامش
قام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بأستدعاء الصحافية رشا الأمين العاملة مع موقع “ناو” بسبب اعادة نشرها لمقالة على الفيسبوك، المقالة كان قد نشرها الناشط مهند الحاج علي على موقع المحاسبة ولكن نقلاً عن موقع التيار الوطني الحر، وكان قد سبق لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية ان استدعى مهند وآخرين للتحقيق للسبب ذاته، والجدير بالذكر ان المقالة تتناول سمير جعجع وحقبة الحرب اللبنانية، حيث يبدو ان جعجع وحزبه يمارسان ضغطاً مستمراً على المكتب المذكور انتقاماً لنشر المقالة.
نص المقالة على هذا الرابط
اترك تعليقاً