بداية، اتمنى ان لا يفهم كلامي على انه دفاع اعمى عن المحكمة الخاصة بلبنان، انما محاولة هادئة للغاية لتصويب مسار النقاش حول المحكمة. فخلال جولتي بالأمس على مواقع التواصل الأجتماعي لاحظت ان الرفض او التأييد الفيسبوكي للمحكمة ينبع من خلفيات محض سياسية قد لا تمت للواقع بصلة.

اتت الذرائع الفيسبوكية على الشكل التالي:
- لماذا المحكمة الدولية لأجل الحريري وليس لأجل اغتيال الرئيس كرامي، و آل شمعون، او آل فرنجية؟
- لماذا لا يحظى شهداء الحرب اللبنانية بمحكمة دولية؟
- لماذا لا تحاسب المحاكم الدولية اسرائيل وارييل شارون على المجازر في لبنان؟
- لماذا لا يلجأ لبنان الى المحاكم الدولية بمواجهة اسرائيل في الموضوع النفطي؟
- لماذا لا يحق للبنان اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية؟
- المحكمة الدولية تستهدف حزب الله فقط
- هناك استنسابية واضحة في مفهوم العدالة
تأتي الأجابات على الأسئلة اعلاه كالتالي:
– أولاً: لبنان لم يوقع على نظام روما الأساسي Rome Statute المختص بالمحكمة الجنائية الدولية International Criminal Court وهي المحكمة الدولية المختصة بمحاكمة الأفراد مرتكبي الجرائم ضد الأنسانية وجرائم الأبادة الجماعية، ما يحرمه من حق الأدعاء على اشخاص متورطين بالمجازر التي وقعت خلال الحرب، لبنانيين او اسرائيليين (أرييل شارون مثالاً) بالمناسبة تمتع لبنان عن التوقيع عام 1998 تحت الضغط السوري حينها وبموافقة الحريري نفسه.
– ثانياً: لا يستطيع لبنان اللجوء الى محكمة العدل الدولية International court of Justice لمقاضاة اسرائيل على ارتكاباتها، لأن نظام المحكمة يقتضي بأن يوافق الطرفان على الأحتكام اليها، بالتالي ان أراد لبنان الأحتكام اليها فسيستلزم ذلك رضى الطرف الآخر، لذا استبعد ان تتفق الحكومة اللبنانية والأسرائيلية على الأحتكام للمحكمة. (ملاحظة: سبق للبنان ان ربح دعوى ضد فرنسا متعلقة بأسهم شركة الجر والتنوير وخسر اخرى في المحكمة مباشرة بعد الأنتداب)
– ثالثاً: يمكن للبنان اللجوء الى المحكمة الدائمة للتحكيم Permanent Court of Arbitration للتقدم بشكوى ضد اسرائيل في الموضوع النفطي مثلاً، كونها المحكمة المختصة في الفصل في النزاعات بين الدول، لكن ايضاً هذا يستلزم موافقة طرفي النزاع للجوء الى التحكيم (سبق وان اعلنت اسرائيل شفهياً نيتها اللجوء الى هذه المحكمة ضد لبنان).
– رابعاً: الأرتكابات التي وقعت من قبل افراد او ميليشيات خلال الحرب اللبنانية لا تحتاج الى محاكم دولية بالضرورة، بل كان من المفترض ان تتم معالجتها عبر محاكم محلية او مجالس وطنية (برعاية واشراف دولي) في عملية تسمى بالعدالة الانتقالية Transitional Justice وتلك تحمل عدة اوجه كالسجن، او الأعدام، او العفو مقابل الإقرار بالذنب، و / او المنع من المشاركة في الحياة السياسية (العزل) وما شابه، وصولاً الى المصارحة والمصالحة الوطنية تحقيقاً للعدالة لأنه من حق اهالي المتضررين معرفة حقيقة ما حصل لأبنائهم. (كما في جنوب افريقيا والمغرب،..) لكن هذه العملية غابت عن لبنان كلياً، واستعيض عنها بقانون العفو الشامل عن كافة الجرائم المرتكبة خلال الحرب، السبب طبعاً واضح، وهو ان الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها اعادت تدوير نفسها ليتحول امراء الحرب الى نواب وممثلين عن الشعب، بالتالي هم من اصدر العفو عن انفسهم وعن بقية المرتكبين. وهي تشمل الأغتيالات السياسية والجرائم وباقي الارتكابات في زمن الحرب.
– خامساً: ان المحكمة الخاصة بلبنان ليست محكمة دولية (اسمها المحكمة الخاصة بلبنان وليس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان كما يسميها الاعلام اللبناني) وهي ليست محكمة تابعة للأمم المتحدة ولا جزءاً من النظام القضائي اللبناني، بل هي هيئة مستقلة غير أنها تحاكم الناس بموجب قانون العقوبات اللبناني لثبوت عدم قدرة لبنان على تقديم محاكمة عادلة وغير مسيسة على أراضيه، وهي ايضاً حل بديل لعدم توقيع لبنان على على نظام روما الأساسي.
– سادساً: بحسب نظام المحكمة، حتى ولو ثبت باليقين ضلوع المتهمين الخمسة في جريمة 14 شباط عن سابق تصور وتصميم وحتى بتوافر كامل النية الجرمية وحتى لو تم القبض عليهم واعترفوا بالأنتماء الى حزب الله، وحتى لو وصل الأمر الى حد اعترافهم بأنهم تلقوا الأوامر من قيادة حزب الله، لا يمكن للمحكمة الخاصة بلبنان الإدعاء سوى على المنفذين وكل من شارك معهم في العمل الجرمي على الأرض. لا صلاحية للمحكمة في محاكمة الآخرين او الهيئات المعنوية.
– سابعاً: ان كان من حجة لأستنسابية العدالة فهي بالتأكيد ليست اي من الحجج الواردة اعلاه، ان حجة الاستنسابية تكمن فقط في نقطة واحدة، هي ببساطة تحميل الدولة اللبنانية اعباء تأمين 49% من مجمل مصاريف المحكمة الخاصة لمحاسبة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فيما لم تفعل الدولة اللبنانية ذلك من أجل كل اللبنانيين ضحايا عمليات الأغتيال والتفجيرات خاصة في الآونة الأخيرة (الضاحية، طرابلس، الهرمل).
عطفاً على ما تقدم، اكرر لست بوارد الدفاع الأعمى عن المحكمة، وما ورد اعلاه يصب في خانة تصويب النقاش فقط، لكن للأنصاف والشفافية، اقر بأنني شخصياً وبحكم اطلاعي على آلية عمل المحكمة خلال زيارتي الى المحكمة الخاصة بلبنان خلال احتفاليات هولندا بمئوية قصر السلام في لاهاي، فأنني مؤمن ان المحكمة ستكتب تاريخاً عادلاً بعيداً عن تسخيف واتهامات الأفرقاء المتضررين منها، او المستفيدين المتاجرين بها لمصالح سياسية، وهذا على عكس النقاط السبع التي وردت اعلاه، اجتهاد شخصي قد يحتمل الخطأ والصواب.
وصلات مفيدة لمن يرغب بمتابعة النقاش (بهدوء)
اترك تعليقاً