قبل إعلان بن غوريون عن قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، كانت القوات الإسرائيلية تتألف من ثلاث عصابات أساسية، أكبرها الهاغانا (منظمة الدفاع الإسرائيلي)، تليها منظمة ايتسل او الأرغون (المنظمة العسكرية القومية) المنشقة عنها أواخر الثلاثينيات، إضافة إلى عصابة ليحي (منظمة المقاتلين من أجل حرية إسرائيل) المنشقة بدورها عن ايتسل عام 1940.
وكانت هذه العصابات الثلاث رأس الحربة في قتال الفلسطينيين والقوات البريطانية على حد سواء، حتى نشوب الحرب العالمية الثانية، هناك تحولت العصابات إلى قتال الفلسطينيين والألمان، باستثناء ايتسل (الأرغون) التي استمرت بقتال الإنكليز.
في أيار عام 1948، وبعد 26 يوماً على انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، غادر مناحيم بيغن أحد قادة ايتسل ليعود على متن سفينة اسمها “التيلينا” محملة بأكثر من ألف مهاجر يهودي، وكميات كبيرة جداً من العتاد العسكري. في تلك الأثناء كان بن غوريون قد أعلن عن قيام دولة إسرائيل، فحلت العصابات الثلاث نفسها واندمجت بما عُرف بـ”جيش الدفاع الإسرائيلي”، باستثناء بعض وحدات إيتسل.
ولما وصلت السفينة إلى المياه الإقليمية، كان قد أصبح في “إسرائيل” حكومة مركزية وجيش موحد، فأعُطيت الأوامر للسفينة بالرسو في مرفأ نتانيا. هناك نزل منها المهاجرون، وأبحرت السفينة إلى تل أبيب، حيث كانت تتمركز وحدات إيتسل، وحاولت الرسو في المرفأ، فذهب بيغين إلى رئيس الحكومة بن غوريون يعلمه بوصول السفينة، طالباً السماح لها بالرسوّ في مرفأ تل أبيب، فكان رد بن غوريون أن في “إسرائيل” حكومة واحدة، وجيشاً واحداً، ولا أحد غيره يحمل السلاح، وإن حاولت السفينة الاقتراب من المرفأ، سيتم تفجيرها فوراً. وهذا ما حدث. ما إن دخلت السفينة “التيلينا” إلى المرفأ، حتى فتح عليها الجيش الإسرائيلي النار وأغرقها بما فيها من سلاح، مع أن الجيش الإسرائيلي كان في أمس الحاجة إليه لقتال القوات العربية.
حقيقة، لا أذكر القصة سوى من باب الاستفادة، ولو من عدو نحاربه، ومن باب البحث عن كيفية بناء هيبة للدولة، ومن باب النظر إلى الأحداث والتطورات الأمنية الأخيرة والاعتداء على الجيش اللبناني، وأيضاً من باب الدعوة إلى إغراق كل “التيلينا” لبنانية، من أينما أتت ومهما كانت نيتها.
فوحده الحكم المتمتع بالشرعية الشعبية، والحكومة المركزية القوية باستطاعتهما أن يحميا الجيش اللبناني، ويوفرا له الغطاء الذي يحتاجه، بدلاً من التخبط الذي نعيشه اليوم بين مستغلٍّ ومحرّض. عندها أيضاً، أيًّا كان خيار هذا الجيش، القتال أو التفاوض، سيكون قراراً صائباً، مهما كان ثمنه.
نشرت في موقع NOW على الرابط التالي
اترك تعليقاً