ان كان هناك من ميزة للشعب اللبناني بغالبيته الساحقة، فهي ادعاء المعرفة في شتى المجالات، السياسة والفن والمجتمع والاقتصاد والرياضة، حتى ان المقولات الشعبية اللبنانية تأتي في غالبيتها لتحاول تكريس هذه النظرية في بلد “الحربقة” والتجارة، بيد ان اللبناني الذكي الذي “مطرح ما بتكبو بيجي واقف” ما عاد قادراً على معرفة الحد الفاصل بين “الفهلوة” والتذاكي وحقيقة الأمور.
عملاً بالمبدأ اعلاه، نذكر كيف يتحول اللبنانيون خلال كأس العالم الى أربعة ملايين محلل كروي، ليعودوا الى قواعدهم السياسية لاحقاً، فيستحيلون اربعة ملايين محلل سياسي وناقد فكري واجتماعي ومحاضر في العفة والأخلاق والوطنية في بلد خلى من كل ما سبق.
يغيب عن الشعب اللبناني منبر الفذلكة المتوفر للمصريين مثلاً، فالمحطات اللبنانية نادراً ما تتيح للمواطنين حرية الكلام والاسترسال كما في مصر ، بل تستعملهم في الغالب كوقود فضائحي. عود على بدء، لم يجد اللبناني مساحة للتعبير سوى مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت المتنفس الرسمي لشعب يحب ويعشق ويهوى “جق الحكي”.
على شبكات التواصل، وابرزها الفايسبوك، حرّف المستخدم اللبناني وجهة الموقع الترفيهية ليحوله الى منبر سياسي يغالي فيه في مدح الزعيم والرئيس تارة، وشتم الخصوم السياسيين طوراً، واختلاق عداوات من لاشيئ وصولاً الى إحتراف التخوين والتهويل وبث الكراهية، هكذا كان، ببضعة نقرات على الأزرار، تحولت الشبكات الاجتماعية من مساحة لتعزيز حرية الرأي والتعبير الى مكان يروج للقضاء على الرأي الآخر وتسفيهه، ومنبراً للكره المتبادل.
بالعودة الى مجريات الأمور، ما حدث بالأمس يشكل مادة تستخدم كمثال، فقد دأبت جماهير القوات والتيار الوطني مثلاً على تبادل الشتائم الالكترونية، والتخوين وتراشق الاتهامات وتعزيز ما بينهما من فرقة وشرذمة وصلت مراراً لحالات طلاق وتفكك اسري، وهو أمر يعرفه القاصي والداني، ولا يحتاج لدليل. لكن وبالرغم من كل هذا، اجتمع رئيسا الفريقين السياسيين ليعلنا عن مروحة نقاشات وحوارات ونقاط مشتركة اين منها من يتراشق الكراهية عبر الانترنت من الجمهورين؟
ماذا عن الصداقات التي دمرت؟
ماذا عن العائلات التي تفككت؟
ماذا عن العداوات الالكترونية والتكتلات التي تشكلت؟
هل من يسأل؟ بالطبع لا!
هل سيكون ما حصل بالأمس درساً؟
في واقعنا الافتراضي المأساوي، أشك ان ماحصل بالأمس سيكون بمثابة درس، من المؤكد ان الجماهير ستقتنع بأهمية “الصلحة” وسيشاركون جميعاً الصور تحت عنوان وحدة الطائفة، وان القائد الهمام يدرك المصلحة أكثر من الجماهير التي لا تسأل ولا تحاسب، الى ما هنالك من تعابير تبريرية، لكن مهلاً؟! الم يكن التيار الوطني قبل ايام فقط عبداً سورياً ايرانياً يتاجر بحقوق المسيحيين؟ (بالنسبة للقوات)، والم يكن سمير جعجع مجرماً وعميلاً اسرائيلياً؟ (بالنسبة لجماهير التيار).
بالطبع كل هذا سيمر مرور الكرام، ستبرد القلوب الألكترونية قليلاً، وتهدأ (الى حين) قرقعة أزرار الشتم والسباب، فشعب الرومانسية والعواطف السياسية قد خُدر، سينام قليلاً ليصحوا جاهزاً لجولة كراهية اخرى.
اترك تعليقاً