قديماً قيل إن اللبناني “كيف ما بتكبو بيجي واقف”، كان هذا في عصر السفر والهجرة من جبل لبنان، أما اليوم فما عادت هذه المقولة لتصبر اللبنانيين على حظهم العاثر، باتت اشبه بنكتة سمجة نسمعها من طفل شقي، تحولت النكتة لتصبح “كيفما لمسته يخر ميتاً”، وكأنه ينقصنا الأسباب لنموت.
نموت كل يوم، وبأتفه الأسباب، برصاص ولد أرعن يحتفل بزعيم، او باهمال طبقة سياسية مشغولة عن المواطن بجمع المال في سراديب، ومناصرة قضايا دول اخرى تدفع أكثر مما يدفع الشعب اللبناني المسكين، فكان من الطبيعي ان تتحول الى رب عمل له اولوية، وبتنا نحن ومآسينا مجرد عمل بدوام جزئي لطبقة سياسية تقتات على المديح والشحاذة، مقارنة بأرباب الدولار والتومان، نحن Part time.
وصلت بنا المأساة الى حد أن نموت بسبب محضر مخالفة لقانون السير بقيمة 200 الف ليرة فقط لا غير، مائة وثلاثون دولاراً فقط اثقلت كاهل سالم زغيب، فمات!
سالم زغيب، سائق تاكسي بسيط، نسي ولمرة واحدة ان يعيد عقد حزام الأمان، فأصطادته دورية للقوى الأمنية، وسطرت بحقه محضر مخالفة قيمته 200 الف ليرة، عاد على اثرها الى مقر عمله محبطاً، اصفر الوجه وبالكاد يستطيع التقاط انفاسه، وكيف يلتقطها؟ 200 الف ليرة لبنانية تعني ببساطة اسبوعاً كاملاً من الكد والعمل ليل نهار.
لم يقو سالم على احتمال خسارة 200 الف ليرة، انفجرت شرايين قلبه ومات! مات حسرة، وخوفاً وجوعاً…
ليست قوى الأمن المولجة تطبيق القانون من قتل سالم زغيب، لا تضيعوا البوصلة، قتله من اغتنى من عوزه، ومن جعل من اولويته بناء النفوذ، قتله العسكري الذي يضرب المواطن في الشارع ليمرر موكب وهمي لوزير داخلية هو على الأرجح وهمي ايضاً، قتلة تاجر الغذاء، وفاجر التلفاز، وشعب أرعن خنوع، تنقح عليه متلازمة ستوكهولم، فيصمت.
يبدو ان عقدة آل زغيب وصراعها مع الموت طويل، ولسخرية القدر يحمل الموت ايضاً سيناريو الـ 6 و 6 مكرر، كليشيه لبناني مسرحي، لكنه حقيقي لدرجة انه قتل مواطنين آخرين من آل زغيب، سبقا سالم، وانتحرا من اليأس والعوز قبل سنوات في ضاحية بيروت الجنوبية.
التشابه قائم، والموت واحد، والقاتل معروف، حر طليق، يفكر في شعارات سياسية مبتكرة، تبيع الوهم وتشتري الذمم، وتبتدع طرق جديدة لموتنا العتيق.
لم يدفن سالم وحده، بل دفن معه ما تبقى من كراماتنا كمواطنين، هنا يكاد الكفر بالوطن ان يصبح واجباً، لا عشتم ولا عاش لبنان.
[box type=”info” ]تدوينات قديمة ذات صلة:
إعدام نبيل وزاهد زغيب (19 شباط 2012)
كيف اعدم لبنان المواطن نبيل زغيب؟ (26 آذار 2011)[/box]
اترك تعليقاً